من كتاب يصدر قريباً بعنوان “حكايات جدّة أبورجينيّة”
مشروع “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي – سيدني ٢٠٢٣
كانت الأخوات الثلاث رائعات في الجمال، طويلات القامة، ذوات شعور سوداء وعيون كبيرة، وقد لوّحتهنّ الشمس في الجبال الزرقاء بسمار غريب، وعاشت الفتيات ميهني، وويملاه، وغانيدو في واد عميق وكثيف الأشجار، على مقربة من بلدة كاتومبا، وكنّ من فتيات إحدى القبائل هناك، قبل أن تصل المدنيّة الغربيّة إلى البلاد، وتتحوّل المنطقة الوسطى من الجبال إلى مدن وقرى مأهولة بالسكّان الجدد.
كان الزواج من أفراد شعب آخر ممنوعاً في القوانين القبليّة. ولذلك حزنت الفتيات الثلاث، فقد وقعن في غرام ثلاثة شبّان من قبيلة مجاورة، على نهر نيبيان. ولِمَن تشكو الفتيات همّهنّ، ولواعج الحبّ، سوى للأمّ التي نصحتهنّ بالصبر، وطلبت منهنّ في رجاء شديد أن ينسينَ قصّة الحبّ تلك، ويعدنَ إلى طاعة الأمّة، واحترام النظام السائد؟
بكت الجميلات، وظللن ساهرات طوال الليل، يفكّرن في مصيرهنّ، ويراقبن القمر الذهبيّ الذي يسير في محاذاة الجبل، كلصّ ظريف، ويرسلن معه آهاتهنّ وعذاباتهنّ إلى العشّاق المنتظرين على أحرّ من الجمر عند أسفل الجبال.
وعلى الجهة المقابلة، كان الشبّان الثلاثة غاضبين وحانقين، وفكّروا بطريقة لاختطاف الفتيات الحبيبات، لكنّ الحراسة مشدّدة، والعيون الساهرة تراقب كلّ حركة وسكون، فاجتمع الشبّان عند النهر، وتناقشوا في أزماتهم القلبيّة، واعتبروا أنّ الموت أسهل من التخلّي عن معشوقاتهنّ.
قال أحدهم: يا لفظاعة التقاليد وقسوتها! هل تعلمون ما في ذهني الآن؟
قال آخر: لعلّك تفكّر في أن نختطف الشقيقات، ونتزوّجهنّ، غير آبهين بكلّ ما قد يحدث لنا من عقاب.
لمعت مقلتا الثالث، ونهض من مكانه على ضفّة نهر نيبيان، وهمهم بصوت مرتفع: لمّ لا نفعل ذلك، إذا كنّا نحبّ فعلاً، ونستطيع أن نضحّي بحياتنا من أجل حبيباتنا؟
وفي فجر اليوم التالي، اندلعت معركة بالسلاح الأبيض بين الشبّان والرجال الذين يحرسون قبيلة الفتيات، وارتدّ الشبّان المهاجمون على أعقابهم، بيد أنّهم قرّروا الهجوم مرّة أخرى، ولو كلّفهم ذلك أرواحهم.
ولم يكن أمام شيخ القبيلة التي تنتمي الفتيات إليها سوى حلّ واحد، أن يحوّل الفتيات إلى شواهق صخريّة، من أجل حمايتهنّ من الاختطاف. وعندما هاجم الشبّان القبيلة مرّة ثانية، قُتل الشيخ في المواجهة الدمويّة، ولم يستطع أحد أن يعيد الفتيات إلى صورتهنّ الأصليّة.
وما تزال الفتيات الثلاث يقفن على حافّة جرف صخري، قرب كاتومبا، المدينة الجبليّة الأنيقة، ولا يعرف الكثيرون أنّ وراء سكوتهنّ الطويل قصّة حبّ مكتوبة بدموع خرساء. ولو عاد شيخ القبيلة حيّاً، وأرجعهنّ إلى الحياة، لتحدّثن عن معاناتهنّ في انتظار العشّاق الثلاثة، والمشاعر التي انتابتهنّ في فترة الجفاف. وما أصعب أن تتحول القلوب إلى جماد، والأحاسيس الجميلة إلى أجسام من حجر!
***
* غلاف الكتاب غير نهائي.
جميل الدويهي: النهضة الاغترابيُة الثانية – تعدّد الأنواع