بعد غياب عشرين عاماً، يحتفل المسرح اللبناني بعودة الممثلة والمخرجة نضال الأشقر على خشبته في مسرحية “الواوية” على مسرح المدينة (6 فبراير- 15 مارس)، بين التراجيديا والكوميديا، الحياة والموت، وخصوصاً بين الحرب والسلام، تحمل هذه المسرحية رسالة غير مباشرة قوية ومؤلمة.
المسرحية من إعداد ناجي صوراتي وإخراجه، ترجمها إيلي أضباشي عن نص لبرتولد برشت، تتناول قضايا اجتماعية في إطار من الكوميديا السوداء. تجسد نضال شخصية أم تحاول البقاء في عالم مليء بالحروب. لديها ثلاثة أولاد: الأول (خالد العبدالله)، يعبر بواسطة الخطابات والغناء، والاثنان الباقيان (عابد قبيسي وعلي حوت) يعبران بواسطة الموسيقى.
لم تستطع نضال الأشقر العودة، بعد 20 سنة، بمسرحية لا معنى لها، لا تكون عميقة ومؤثرة. أرادت أن تتخطى نفسها كممثلة وكسيدة مسرح، وفي هذه المسرحية، تمثل وتغني وترقص، “لذا عدت إلى تحريك كل عظامي التي لم تتحرك منذ 20 سنة” على حدّ قولها.
إمرأة- تاجرة
المهم في هذه المسرحية بالنسبة إليها أنها غير مباشرة، تتمحور حول امرأة تستفيد من ظروف معينة فرضتها الحرب لإطعام أولادها وتتاجر على الصعد كافة لكسب المال. لكنها تفقد ابنها قدس في مساومات دامت فترة طويلة جدا مع خاطفيه. تاجرة الحرب هذه نسيت أن حياة ابنها في خطر. إنها امرأة تضيع نفسها، ومن خلالها نرى كائناً يسعى إلى الاستمرار في العيش. مع ذلك لا يتوصل المشاهد إلى معرفة ماذا تبيع وماذا تشتري، لا عجب في ذلك طالما اليوم يباع الأطفال وتزوّج الفتيات بعمر العاشرة. وتنتهي المسرحية بعبارة مهمة جداً: “أناس كثر يبيعون منذ زمن أولادهم. إنه لأمر واقعي جداً، بإمكان أي شخص شراء زوجة أحدهم أو ابنته في حال احتاج الأخير المال”.
“الواوي ” (ُعلب) حيوان يتغذى من لحم الجثث أي يستفيد من موت الآخرين ليستمر في الحياة. تم اختيار هذا الاسم نظراً إلى شخصية المرأة التي تتاجر حتى بمآسي الحرب لتعيش مع أولادها الثلاثة.
استعاد ناجي صوراتي مسرحية برشت La mère courage التي تتمحور حول أم تتاجر في الحرب لإطعام أولادها، لكنها تبقى بعيدة عن الأم الجيدة. غيّر ناجي المسرحية الأصلية وقطعها بطريقة ذكية واختصرها من ساعتين ونصف إلى ساعة، وأعطاها هوية عربية، فالحرب لم تقع في لبنان فحسب، بل منتشرة حولنا، لذا وسع ناجي نظرته جغرافياً وتاريخياً.
خلق ناجي مشهداً ليس موجوداً في نص برشت الأصلي، وهو أحد الأوقات الأكثر أهمية في “الواوية”. فعندما كانت شابة، اختبأت أم الأولاد الثلاثة في قطار كان يقود والدها في المنطقة، هكذا التقت ثلاثة رجال وأغرمت بهم وأنجبت ولداً من كل واحد منهم. الأول سوري مستقر في بغداد، الثاني لبناني مقيم في العراق ومغرم بالقدس، الثالث فلسطيني تلتقيه في دمشق. تسمي أولادها الثلاثة قدس ودمشق وبغداد.
تهدف هذه القصة القصيرة إلى وضع المتفرج في موقف أكبر من أن يعاش في بلد واحد والتأكيد أن هذه الأم ليست من الحاضر أو الماضي، وقد تكون امرأة الغد، لأن الحروب هي في كل مكان في هذه المنطقة.
تقول تلك المرأة: يا للويل إذا توقفت هذه الحرب، ماذا سأفعل بتجارتي؟ الأشخاص مثلي يعيشون في ظروف الحرب، وفي أوقات السلم يحتاجون إلى شجاعة. الرجال والنساء من هذه النوعية لا يعرفون ما الذي أدى إلى اشتعال الحرب وماذا سيفعلون عندما تتوقف، فتضطرب حياتهم، إنه وضع مظلم وساخر لكنه ينمّ عن حقيقة.
محطات إبداعية
نضال الأشقر (25 مارس 1934) أحد رواد المسرح اللبناني الحديث، أدت في الستينيات والسبعينيات دوراً أساسياً في تحريك الفن المسرحي اللبناني والعربي. أسست مع مجموعة من الفنانين اللبنانيين “محترف بيروت للمسرح” ومع فنانين عرب فرقة “الممثلون العرب” التي جالت في عروضها في البلاد العربية والأوروبية.
من أبرز أعمالها:
تمثيل مسرحي: “السرير الرباعي الأعمدة” إخراج شكيب خوري، “رومولوس الكبير” إخراج ريمون جبارة، “لآنسة”، “طبعة خاصة”، “المفتش العام” (1966)، “مجدلون 1” و”مجدلون 2″، “كارت بلانش”، “إضراب الحرامية”، “إزار”، “مرجان ياقوت والتفاحة”، “البكرة” إخراج فؤاد نعيم، تأليف بول شاوول (1973)، “المتمردة” إخراج فؤاد نعيم وتعريب بول شاوول (1975)، “ألف ليلة وليلة في سوق عكاظ” (تأسيس فرقة الممثلون العرب، إخراج الطيب الصديقي، فكرة نضال الأشقر وكتابة د.وليد سيف)، “الحلبة” إخراج فؤاد نعيم وكتابة بول شاوول (1992). كذلك مثلت أدواراً باللغتين الفرنسية والإنكليزية في فرنسا ولبنان.
إخراج مسرحي: “طقوس الإشارات والتحولات” تأليف سعدالله ونوس (1996)، “3 نسوان طوال” لـ إدوارد ألبي (1999)، “منمنمات تاريخية” تأليف سعدالله ونوس (2000).
دراما تلفزيونية: “جارية من نيسبور”، “نساء عاشقات”، “تمارا”، “زنوبيا ملكة تدمر”، “صبح والمنصور”، “شجرة الدر”، “المعتمد بن عباد”، “حرب البسوس”، “الأنيس والجليس”، “رماد وملح”.
أعمال سينمائية: “الأجنحة المتكسرة” لجبران خليل جبران، “السيد التقدمي” إخراج نبيل المالح، “سيدة فرنسية” باللغة الفرنسية للمخرج فارنييه، “ساحة فاندوم” للمخرجة الفرنسية نيكول غار (1999).
شاركت في لجان تحكيم: “مهرجان الكويت المسرحي الثالث” (1999)، “المهرجان المسرحي السادس لدول مجلس التعاون الخليجي” – سلطنة عمان (1999)، “مهرجان بيروت السينمائي” ( 1999)، “مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي” – الدورة التاسعة (1997)، “مهرجان الفيلم العربي” – باريس (1997)، “ستوديو الفن” (2001).
الأوسمة: الوسام الوطني للفنون والآداب برتبة فارس” (فرنسا)، “وسام الثقافة العالي” (تونس)، جائزة “مهرجان القاهرة للمسرح التراثي” (1994)، جائزة “مهرجان قرطاج” (1984 و 1986)، كرمت في “مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي” (1999).
المناصب: رئيسة تجمع النهضة النسائية (1998)، عضو في اللجنة الإعلامية للمجلس النسائي اللبناني (1999)، عضو فخري في “جمعية مركز خليل السكاكيني الثقافي” (1998)، مؤسسة ورئيسة مجلس إدارة مسرح المدينة (1994)، مدير عام ونائب رئيس مهرجانات بيروت (1994)، عضو في “جمعية صيدا التراث والبيئة” (1994)، عضو في “مجلس أمناء منظمة الطفل العربي”.
كلام الصور
1- 2- 3- 4- 5- من المسرحية