جميل الدوبهي: رفض فكرة الإنسان إله

 

 

سألتني إحدى السيدات عن معنى قولي: لا تقولوا عن الإنسان إنّه إله، فالإنسان يموت والله لا يموت؟

المعنى واضح للعيان، وبدا لي أنّ المرأة فهمته، ولكنها أرادت أن تتسلل إلى أعماق مفهومي للمسيحية، وفي الوقت ذاته أثبتت لي، من حيث لا تدري، أنّها غير مطلعة على الفلسفات، وتأخذ الكلام ببساطة.

استنتجت ذلك في غمضة عين. ولأن الوقت لم يكن مناسبًا للشرح والتحليل، ذكرتُ لها أنّني في إحدى قصصي القصيرة – كتاب “تأملات من صفاء الروح” تخيلتُ أن السيد السيح يقوم بأعجوبة وهو طفل بطلب من السيدة العذراء. وأن الأديبة مريم الدويهي وضعت قسماً في كتابها: “فكر جميل الدويهي ومدينة القيم الخالدة” خصصت فيه رؤيتي وإيماني المسيحي الذي لا تشوبه شائبة، تحت عنوان “المسيح في فكر الدويهي”.

عندما أتحدث عن اعتقاد البعض أن الإنسان إله، أقصد الإنسان العادي، مثلي، ومثل نيتشه، وهيغل والحلاج وابن عربي وجبران… وأقصد الحلولية Pantheism التي تعني أن الله يحل في كل شيء. وكل شيء يحل في الله.

في اعتقادي أن ما نراه في الكون والطبيعة صور من صنع الإله، فهو المعلم الأعظم والفنان المبدع والضابط لكل حركة وسكنة في الوجود. لكن لا ضرورة له أن يكون في كل مكان قطعاً وفي كل موجود. وإذا كنت أدافع عن الحلاج وهو يواجه الموت، فلا أوافق على قوله: أنا الحق. ولا أوافق على اعتقاد ابن عربي بأن الله يحل في الأصنام، وترك عبادتها هو ترك لله. يقول ابن عربي إن نوحاً عليه السلام، قد مكر بأهله عندما طلب منهم ترك الأصنام، فعند ذلك جهلوا الحق، فمَن عبد الحجر فقد عبدَ الله في الحجر.

وفي “آلهة الأرض” يقول جبران خليل جبران: “الإنسان إله يرتفع إلى ألوهيته في بطء شديد”. ولم يحدد جبران مقدار البطء في هذه العملية المستحيلة، فلعله التقمص الذي يؤمن به سبع مرات، ليصل الإنسان إلى درجة الكمال. وهو ما أرفضه رفضاً قاطعاً، وفي كتبي أقول إنه لو عاش الإنسان ملايين المرات، لما أصبح كاملاً ولا طاهراً ليكون هو الله.

ومن المعروف عنّي أنّي لا أميل إلى فلسفة نيتشه، على الرغم من أنه مؤلف حاذق، ومبدع جليل، في كتابه “هكذا تكلّم زرادشت”، فالإبداع شيء والفكر الصحيح أو الخاطئ شيء آخر، فنيتشه يريد قتل الإله الذي عبده البشر، ليكون الإنسان، الكامل في نظره، إلهاً. ومثله تماماً فعل هيغل الذي اعتبر أن الله لم يتحول إلى الإنسان (الفكرة المسيحية)، بل إن الإنسان تحول إلى الله. والإنسان في ذلك يعزز معرفته حتى يصل في النهاية إلى المعرفة الكاملة.

لو كان هيغل فيلسوفاً من العصور الحجرية لكنت وجدت له عذراً: الجهل. لكنّه من عصر النهضة الأوروبية، والتجربة أثبتت أن لا حقيقة مطلقة ولا معرفة مطلقة، والأكوان التي نجهلها قد نحتاج إلى مليارات السنين قبل أن نعرف حبة رمل منها. فما أسخف هذا القول!

لن أعطي أمثلة كثيرة عن أناس اعتقدوا أن الإنسان العادي مثلنا إله، وقد اخترت طائفة من كبار المفكّرين والفلاسفة، لا لأزعم أنّني على حق، وغيري على خطأ، بل لأعلن عمّا أعتقده، وهو جزء مهم من تفكيري رؤيتي للكون والحياة.

***

*جميل الدويهي: مشروع أفكار اغترابية

النهضة الاغترابية الثانية – تعدد الأنواع.

اترك رد