بقلم: الأديب إيلي مارون خليل
وأروحُ أتساءل: ما الغَباوة؟ ما ملامحها والخصائص؟ ما أسبابُها والنّتائج؟ وتاليًا تتدافع تساؤلاتٌ كثيرة، حادّة، مروَّسة، مسنونة، مؤذٍ كلُّها لأهل الوعي. ولكن ما العمل؟
جاء في القاموس: غَباوة: سَخافة، جَهل وقلّة فِطنة:”كلام يدلّ على غَباوةٍ نادرة”، “غباوة كلام”، “استمرّ في الضّلال عن غباوة”.
وجاء: غبيّ: ج أغبياء: أبله، أخرق، قليل الفِطنة، غير ذكيّ، عاجز عن إصدار الحُكم السّليم.
وإذًا!؟
نحن قَومٌ أغبياءُ، بُلَهاءُ، خُرَقاءُ، قليلو الفِطنة، غَيرُ أذكياءْ، عاجِزون عن إصدار الأحكام السّليمة.
صحيحٌ! هذا الكلام! وإلاّ عدمنا الدّليل. وللواقع، الأدلّةُ كثيرةٌ كثيرة، وفاقعةٌ فاقِعة. كيف؟
نحن، أقصد الشّعب الّلبنانيّ، جعلَنا سياسيّونا قبائلَ، أو شُعوبًا، أو أُمَمًا، أو أيّ شيء يُدار كيفما كان، أينما كان، زمان ما كان، ولا نسأل عن الحاجة، ولا السّبب… يُجَيِّرُنا الأب لابنه، العمّ لابن أخيه، الخال لابن أختِه، القريبُ لقريبِه… ونحن؟ نمدّ العنق، طاعةً بَلهاءَ عمياءَ. نتشدّق بأقوالٍ سَلّفَناها آباؤنا والجدود: يعيش البيك، يعيش الشّيخ، يعيش الباشا، يعيش الزّعيم… ولا مرّة: يعيش الشّعبُ! فإن عاش، “مات” البيك، والشّيخُ، والباشا، والزّعيم، … والأمثلةُ لا حصر لها، منذ الاستقلال حتّى اليوم. أليس الّذين يتحكّمون بنا، هانئين، راغدين، مطمئنّين، أبناء العائلاتِ إيّاها!؟ عدّد ولا حرج! وإن أُجريت انتخاباتٌ، مُهِّد لها بقانون يسنّه النّوّابُ لأنفسِهم، وليس فينا مَن يسأل، أو يُحاسِب! ونظلّ، لغباوتنا وضلالِنا وبلهنا، ننتظر منهم قانون انتخابٍ جديدًا لصالح الوطن! فهل نرجو “من العَوسج تينًا!؟ فكيف، ولماذا، وحتّام؟
يتزعّم البيك، أو الشّيخ، أو الباشا، أو الزّعيم، ونحن نبارك له مصفِّقين، وهو يصفقنا طوال حياتِه، موصيًا ابنَه بنا، وهذا يوصي ابنه، وإن كان عقيمًا، أو عازبًا، نرجوه أن يكلَ أمرَنا إلى ابنِ أخيه، أو ابنِ أختِه، أو قريبِه الأقرب. نبرِّر: “نحس بتعرفو… ولا جديد بتتعرّف عليه!” أو بمثَلٍ آخر: “الإيد الما فيك عليا، بوسا وادعي عليا بالكسْر”. إلى ما هنالك من أمثلة تُبرِزُ غباوتَنا وقِلّة ذكائنا، وعدمِ فِطنتِنا. وإن صودفَ أن ظهر وجهٌ جديد، فهو ابن “المحدلة” الّتي تأتي به، فاقدًا وجهَه والّلون، بلا رأي، بلا صوت، يكتفي بأن يتمتّع بكونه بوقَ سيّده! ونحن نبارك، نصفّق، نبايعُ، مزهوّينَ، فاقدي شخصيّتِنا، لا رأي لنا ولا إرادة، بل نشيلُهم على الأكتاف، نتعب ويفرحون، نصفّق ويضحكون!…
كم مرّة حاسبنا؟ كم مرّة فكّرنا؟ كم مرّة أردنا، اقترحنا، أشرنا…؟ نبدو هادئين، مُسالِمينَ، مطمئنّين، حالمين، منتظِرين… مردِّدين شِعارًا اختُرِع من أجلنا: “ألقناعة كنزٌ لا يَفنى!” لا! فالقناعةُ مقبرةُ الطّموح! أو: “فلاّح مكفي، سلطان مخفي!” يُضَلِّلوننا بهذا السّجْع المُوَقَّع، فنطرب للإيقاع، وبلفظة “سُلطان”، مُتَعامين عمّا في هذا القول من “مورفين” يُخَدِّر ويُسِرّ ويحمل على أجنحة الأحلام.
ألهادئ خامل. ألمُسالِم مطعون. ألمطمئنّ كسول. ألحالِمُ واهِم. ألمننتظِرُ مريض. هؤلاء، كلُّهم، لا يُنتِجون شعبًا ناضجًا، واعيًا، فاعِلا. لا يُنتِجون زعامة. بل يستمرّون خاضعين!
والأنكى، أنّنا “متعلِّمون!” فكيف نفصل بين علم وحياة!؟
تساءلوا معي: أأنا غبيٌّ، أم صَبور!؟