أحد أقانيم الفكر المهجري الجديد – كما نص عليه كتاب “المتقدم في النور” للدكتور جميل الدويهي
الله هو أساس الدين في فكري. والانسان أساس الديانات. فقد سلم الله دينه للانسان ولم ينجح هذا الأخير في المحافظة عليه، فقسمه، وفرقه، ووزعه في أقطار المعمورة، وتحول الدين الواحد للإله الواحد إلى فِرق، تتناحر وتتواجه، من غير سبب وجيه إلا ما اخترعه البشر أنفسهم لتغذية عوامل التحزّب، واستغلال الانتماء، لمصالح سياسية وعرقية ودينية، فإذا بكل دين دولة مستقلة، لها مواطنوها الملتزمون، وراياتها المخضبة بالدماء، بينما الأصل هو دين السلام.
ويؤمن الدويهي بأن الأمم التي عاشت قبل وجود الديانات الرسميّة، كانت تعرف أن هناك خالقا للوجود. وإذا كان بعضها لم يعلم بذلك في عصور مبكرة، فلان الجهل كان طاغيا، وتطور العقل فيما بعد ليصل إلى حتمية وجود مكون للوجود. فليس من العدل ان تكون الشعوب الاولى غير مؤمنة لعدم معرفتها، ولا هي غير مؤمنة ايضاً في مراحل تطورها، لأنها عندما عرفت آمنت، وإن تكن الطريقة تختلف عن طرقنا…
إذن لا يمكن الحكم على أحد بأنه غير مؤمن إذا كان يؤمن بالله. والطريق إلى الله تختلف، فقد يذهب إليه امرؤ عن طريق لا نسلكه نحن، بل نسلك غيره. المهم ان نصل.
لذلك أرى ان كل الناس مؤمنون، ما عدا الذين يجاهرون بأن الله غير موجود. وهؤلاء فقط من يحكم الله عليهم وليس نحن. فهو لم يفوّضنا، ولم ينزل من السماء ليبلغنا بان علينا ان نحصّل حقوقه، ونستعيد له ما فقده او خسره.
ولو عاش الناس جميعا تحت مظلة هذه الأفكار، لكانوا في أمان، ولا يصرفون أعمارهم على النزاعات والمشاحنات، والاختلافات، والشرح، والتحليل، والتصويب… فهناك وظائف للبشر غير ذلك، نعني بها تطوير الحياة، وتعزيز الحضارة، والسير معا، اخوة متضامنين، متحابين، ومؤمنين بان الله فرّقنا ليجمعنا، لا لنكون متقاتلين من أجل هباء. وما ابشع الحروب التي تقتلنا من غير ان نفهم اننا نتقاتل على لا شيء!
***
*مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي
النهضة الاغترابية الثانية – تعدد الاتواع.