البروفسور شتيفان ليدر مقدماً “لبنان الطوائف في دولة ما بعد الطائف. إشكاليات التعايش والسيادة وأدوار الخارج” للدكتور عبد الرؤوف سنو: دراسة نموذجية في علم التاريخ المعاصر لفهم التعقيدات والأوضاع والقضايا اللبنانية

نظم المعهد الألماني للأبحاث الشرقية- بيروت ندوة حول كتاب “لبنان الطوائف في دولة ما بعد الطائف. إشكاليات التعايش والسيادة وأدوار الخارج”، guilaf-abedالصادر حديثاً للدكتور عبد الرؤوف سنّو، شارك فيها د. سعاد سليم، والدكتور د. علي شعيب، قدم للندوة وأدارها البروفسور شتيفان ليدر Stefan Leder، مدير المعهد وجاء في كلمته:

أرحّب بكم هذا المساء باسم المعهد الألماني للأبحاث الشرقية بمناسبة مناقشة كتاب د.سنّو “لبنان الطوائف في دولة ما بعد الطائف”، وهو كتاب يعالج تاريخ لبنان في العَقدين الأخيرين، كما يتكلم بالإضافة إلى ذلك عن جذور هذه الحقبة في تاريخ دولة لبنان منذ نشأته وحتى اندلاع الحرب في سوريا عُقبَ الانتفاضة.

إن مناقشة هذا الكتاب لها معنىً خاص في هذه اللحظة، إذ أننا نجد أنفسنا في حاجة مُلحّة إلى حماية من أزمة كبرى تهدد وحدة البلد وأسس الحياة المدنية فيه، ولا نرى من يؤمّنها إلا الدولة ومؤسساتها الشرعية.

ومعَنا هذا المساء المؤلف والصديق الدكتور عبد الرؤوف سنّو، المؤرخ والمؤلف المشهور الذي حصل على جائزة الشيخ زايد للكتاب عن مؤلفه “حرب لبنان 1975 – 1990” والذي صدر عنه الآن الكتاب الجديد امتداداً للدراسة السابقة. حصل د. سنو على دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر من جامعة برلين الحرّة، وعلى دبلوم التعليم العالي والتنمية الدولية من جامعة كاسل. شغل منصب أستاذ في الجامعة اللبنانية، وكان عميداً لكلية التربية فيها. درّس وأشرف على رسائل وأطروحات في جامعة القديس يوسف. وهو عضو الهيئة الاستشارية للمعهد الألماني للأبحاث الشرقية في بيروت منذ العام 2008، وحاصل على وسام الاستحقاق الألماني.

ومعنا أيضاً د. سعاد سليم التي نالت درجة الدكتوراه من جامعة السوربون باريس ودكتوراه في التاريخ من جامعة Birmingham وكانت محاضرة في جامعة القديس يوسف، وأستاذة التاريخ في جامعة البلمند، ومديرة معهد التاريخ وArchivesat  في جامعة البلمند. لها العديد من الكتب المنشورة، خاصة في ما يخص تاريخ النصارى ومؤسساتهم في بلاد الشام.sinno 1111

كما يوجد معنا أيضاً د. علي شعيب الحاصل على إجازة دكتوراه دولة في التاريخ الحديث والمعاصر من جامعة غرينوبل – فرنسا، كما كان أستاذاً في الجامعة اللبنانية، وهو أستاذ مشرف على رسائل وأطروحات الدبلوم والدكتوراه، ورئيس مجلس مندوبي رابطة أساتذة الجامعة اللبنانية. يشغل حالياً رئاسة الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم،.وله العديد من المؤلفات.

أما بالنسبة لتنظيم هذه الجلسة فقد كلّفني الزملاء برئاستها، ومنحوني هذا الشرف كي أكون محكماً حيادياً ليس له أَسهم في هذا الشأن، يعني في مصير لبنان وتاريخه.

بعد أن قدّمت كتاب الدكتور سنّو من وجهة نظر الناشر سـتأخذ د. سعاد سليم الكلمة مناقِشةً بابين للكتاب ويليها د. علي شعيب بمناقشة لبابين آخرين.

سيتكلم كلٌّ منّا لمدة ربع ساعة ويمكن أن نوجه بعض الأسئلة للمؤلف خلال عرضنا للموضوع. ونعطي بعد ذلك المناسبة للمؤلف للإجابة على هذه الأسئلة أو ليعلّق على تعليقاتنا إيضاحاً لموقفه المطروح في الكتاب.

وبعد ذلك يُفتح المجال للمناقشة مع الحضور ونرجو في هذا الأمر من حضراتكم التركيز على الأسئلة والتعليقات الملخّصة والمتخصصة.

أنا عن نفسي، أتشرف بتقديم كتاب د. سنّو لعدة أسباب: منها أن المعهد الألماني قد عاش مع لبنان واللبنانيين ومع قضية البلد على مدى خمسة عقود، وعلى أساس هذه التجربة والاهتمام نعتبر أنه من الواجب والمناسب أن نفسح في المجال لمناقشة القضايا والهموم والإشكاليات والآمال لسكّانه ومفكريه. إن عيشَنا مع لبنان خلال كل أحداثه الجليلة والكوارث المرة وخيبات آمالنا، علّمنا أن أساس الاستمرار في هذا البلد واستقرارِه الصحيح يقعانِ في النشاط الفردي وإنتاج مثقفيه واجتهاد مفكريه. فلبنان قبل كل شيء، بالنسبة إلينا يزدهر في مجتمعه النشيط وثقافته الحيوية ويستقر بهما.

ونتشرف بإصدار كتاب د. سنّو الذي يلعب دوراً بارزاً كمؤلف وصوت متنور يرفض بالتزامه بالمواطنة الانقسامات الطائفية والايديولوحية كلها.

المميزات العامة للكتاب

يعرض د. سنّو في دراسته صورة شاملة ومتكاملة ومفصّلة للأحداث والمشاهد والتطورات في لبنان منذ عام 1989 وحتى عام 2011. لبنان وتاريخه المعاصر موضوع مدروس طبعاً، وصدرت في السنتين الماضيتين سبعة كتب عربية وأجنبية حول هذا الموضوع، ومنها ……وتأتي أهمية دراسة د. سنو من توثيقها النموذجي والرجوع إلى مصادر كثيرة من جرائد ومجلات وخطابات وحتى من ويكيليكس. ومن هذه الناحية أهمية الدراسة بارزة وباقية. هذا الكتاب لا يمكن أن يترك كمصدر رئيسي في المستقبل.

ومن مميزاته الروائية هي أن المؤلف استخدم طريقة السرد الذي يجمع بين التسلسل الزمني وقطع هذا التسلسل بالرجوع إلى أحداث من السابق مما يجعل قراءة الكتاب ممتعةً جداً وغنية بالمعلومات وكريمةً باقتراحات تساعد على فهم سياق الأحداث. إن مؤلفنا ليس صاحب أطروحات وحجج يحاول أن يُقنعنا من خلالها برأيه، لكنه دليل صالح يقود القارئ من خلال الوقائع المعروضة كي يعطيه تصوراً عاماً عن مختلف الأمور.

وأنا أنصح بقراءة هذا الكتاب من قِبل المتخصصين لما فيه من دراسة نموذجية في علم التاريخ المعاصر وغير المتخصصين لفهم التعقيدات والأوضاع والقضايا اللبنانية، وأذكر على سبيل المثال باب “عودة عون”، حيث أن هذا الباب يعالج الحلف المسيحي – الشيعي وما أنتجه من تقاربات بين حركة المستقبل والجانب المسيحي. ويعالج هذا الباب تحالفاً سياسياً يتجاوز حدود الطائفة ويثبّت النظام الطائفي في الوقت نفسه من نواحٍ عديدة. ونتعلم من هذه الفقرة القيّمة معنى وقع إحالة المستحيل، كما يحدث كثيرا في ميدان السياسة اللبنانية.

أفكار للمناقشة

تكمن قيمة هذه الدراسة كما ذكرنا في الرواية المفصّلة التوثيقية للأحداث، مع وضعها محاور تحليلية تربط بين العوامل الداخلية والخارجية، وهذا يعني الطائفية المجتمعية والسياسية في الداخل والقوى الخارجية وتأثيرها عليها عن طريق التحالفات والتمويل. هذا ما يجعل زعماء الطوائف عملاء لهذه المصالح (الجيو- سياسية). ويصف المؤلف توريط كلِّ الفئات السياسية في هذه التعقيدات من خلال أربعة أبواب:

“لبنان بعد الطائف: الطريق المسدود إلى الدولة الحديثة قراءة في مستجدّات الطائفية السياسية/المذهبية والمجتمعية”؛ “سورية في لبنان: مكامن القوة ومآزق السياسة”؛ “الحرب الإسرائيلية على لبنان في العام 2006 صراع بأهداف إقليمية ودولية”؛ “لبنان الطوائف في دوّامة الجيو – سياسة الإقليمية 1989 – 2011”.

وتتمحور المناقشة في كل هذه الفصول حول مسألة الدولة ونواقصها، كاستقلالها وهيمنتها من ناحية، وبنيتِها كدولة موحّدة قادرة على أن تنظّم التعايش وتواجِه الإشكاليات الاجتماعية من ناحية ثانية. ويقوم د. سنّو بتكرار قضية أساسية وهي إرادة الشعب اللبناني في الدولة الحديثة، وإرادة الناس بأن يكوّنوا دولة حديثة بالمعنى الذي يقدمه المؤلف، هل هي موجودة أم لا؟ هل من الممكن أن يتّحد الشعب اللبناني تحت راية أمة الإرادة ؟ nation of will – Willensnation

ومن هنا يأتي السؤال: إذا بقيت الدولة في أيدي الزعماء، والتي هي في أغلب شؤونها وسيلة للحصول على المصادر والسلطة والامتيازات، فمن أين تنشأ التجربة للدولة الحديثة العادلة الحيادية طائفياً، باعتبار أن هذه التجربة هي الأساس لتشجيع فكرة الدولة الحديثة؟ وهنا أعني دولة المؤسسات ودولة القانون. وما دور هذا المفهوم للدولة فكرةً وممارسةً في تاريخنا المعاصر. أو من ناحية ثانية، هل نرى تناقضاً تاماً نهائياً بين النظام الطائفي وبين هذه العناصر للدولة الحديثة التي نحتاج إليها ومن أين نوجِد مقاربات وحركات اجتماعية حيوية تخص هذه المسألة؟

كلام الصور

1- غلاف الكتاب

2- الدكتور عبدالرؤوف سنو

اترك رد