تردّدت كثيراً قبل أن أكتب في هذا الموضوع، لسببين:
النقد الصحيح ممنوع إلا من أجل المديح…
وتناول قامات مقدّسة يمكن أن يتحول إلى جدال لا طائل منه، خصوصاً عند الذين لا يعرفون.
للزجل أوزان، أهمها القصيد الذي يجري على مستفعلن مستفعلن فعلن (السريع)، أو مفاعلتن مفاعلتن فعولن (الوافر).
والمعنّى الذي يجري على مستفعلن مستفعلن مستفعلن (الرجز)
والقرادي الذي يجري على تفعيلة فعلن (الخبب)
وأُضيفَ إلى الزجل وزن الشروقي الذي يجري على مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن (البسيط)
سيقول أحد المعترضين: لماذا نلتزم بهذه الأوزان، إذا كان الشعر المنثور لا يلتزم بأوزان؟
والجواب هو: عليك أن لا تدّعي الزجل، إذا كنت لا تعرف أوزانه ولا تريد أن تلتزم بها، وإلاّ فاذهب إلى النثر ولا أحد يمنعك.
الزجل تراث. هكذا خُلق، وليس مطلوباً من أحد أن يطوّره ليصبح زجلاً مودرن، أو زجلاً حداثياً. فلو سقطت أوزان الزجل يسقط نصف الغناء العربي. هذا على أقل تقدير.
وعلى الفايسبوك عشرات “القصائد” الزجلية التي لا علاقة لها بالزجل. ويسمّي أصابها أنفسهم بالزغلول الفلاني والشحرور الفلاني وملك القصيد، وسواها. وهذه التسميات تنطلي على من لا يعرفون الأوزان من الناس، لكن لا تنطلي على الدارسين والعارفين للزجل. وسأعطي مثلاً عن شاعر أغدق على نفسه لقباً يفهم منه أنه رائد وعظيم، فاسمعه يقول في قصيدة على وزن القصيد:
“وقلت لا تخافو لأني كنت عارف”. وهذا نثر لا علاقة له بأي شعر، ووزنه ليس من أوزان الزجل. ولكي يستقيم الوزن يجب أن يكون: “ولا تخافو لأني كنت عارف” أي حذف كلمة “قلت” كاملة.
السامع للقصيدة يظن أنها صحيحة، لأن الشاعر يحاول في الإلقاء أن يموّه على الخطأ، ويخبئه باللحن. وفي أرشيف فايسبوك قصائد وقعها شعراء كثيرون ليس فيها بيت واحد موزون على الزجل. وينسبها أصحابها إلى الزجل. وهذا غير صحيح. ومن شأنه أن يفرض على الناس أنواعاً غير موجودة، ويقنعهم بطريقة لا شرعية بأن ما يكتبه هؤلاء “الشعراء” زجل.
وأعرف شعراء ينظمون الزجل مستخدمين القوافي غير الصحيحة، مثلاً: عَين وحزين، بصل حجل، وقدّي وعندي… وهذا ليس من الأصول، وليست ذريعة حقيقية أن يزعم الشاعر أنّه مجدّد. فالزجل لا يحتاج إلى مجددين، والتجديد يكون في مكان آخر. والأفضل الاعتراف بعدم المعرفة قبل اللجوء إلى السفطائية للتضليل.
إليكم مقطعاً من “قصيدة” كتبها البروفسور ز. ف.
اهلا يا ماس يا من حرقت الناس المسالمين
كيف تقبل على نفسك ان تتبع فكر الملاعين
كيف تقتل اطفال كانوا بالحب والبرآه (هكذا) ممتلئين
الا تعرف يا ماس أن هذا فعل فاق أفعال الشياطين
لماذا يا ماس تحرق الكنائس فقط وتكسر افراح المسيحيين؟… إلخ إلى باقي القصيدة الطويلة….
ويطلب الشاعر من الجماهير الغفيرة أن تنشر القصيدة “من غير إذن منّي”.
فكيف تقنع هذا “الشاعر” بأنه غير شاعر؟ ولا أعلم كم من إشارات الإعجاب والتعليقات وضعت على صفحته، بينما قصائد رائعة لا تحوز على إعجاب.
وليسمح لي القارئ بأن أعطي فكرة عن معرفة الجمهور بالأوزان، فشعْري المدوّر مثلاً، يعتقد أغلب الناس أنه نثر، ويقولون لي: نصّك النثري الفلاني جميل. وبعضهم أساتذة في مدارس وجامعات. علماً أن الشعر المدوّر يأخذ تفعيلة واحدة “مستفعلن” مثلاً وينظم القصيدة من أوّل حرف حتّى آخر حرف على هذه التفعيلة.
كنت أتمنى على شعراء الزجل ومؤسساته أن يتصدوا لهذه الظاهرة غير الصحيحة، ولست أعرف ما هي الاستراتيجية التي يمكن وضعها للحد من هذا الخلل، مع العلم أن من المستحيل إقناع إنسان غير شاعر بأنه غير شاعر، كما يستحيل إقناع من هو غير أديب بأنه غير أديب، ولو لم يكتب قصة قصيرة أو رواية أو نصاً فكرياً في حياته… خصوصاً عندما تنبري طائفة من غير العارفين لتبييض الوجوه، وتمسيح الجوخ، وإبداء الإعجاب… ويبدو لي أن رتبة شاعر أو أديب أصبحت هدفاً لذاتها، بينما الهدف نشر قصيدة لائقة ونص أدبي فخم يستحقان أن يوضعا على المنارة.
***
*جميل الدويهي – مشروع أفكار اغترابية للأدب الراقي.