الحركة الثقافية – أنطلياس تفتتح “المهرجان اللبناني للكتاب”، عريجي: تظاهرة ثقافية سنوية هي عملية إنقاذ دائمة لوطن الإبداع

logo harakaبرعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ممثلا بوزير الثقافة ريمون عريجي افتتحت الحركة الثقافية في إنطلياس “المهرجان اللبناني للكتاب”- السنة الثالثة والثلاثين- دورة وديع الصافي (يستمر لغاية 16 من الجاري) في القاعة الكبرى لدير مار إلياس- انطلياس.

 كساب

بعد النشيد الوطني افتتاحا، ألقى الدكتور الياس كساب كلمة ترحيب، مما قال فيها: “ثلاثة وثلاثون عاماً مساهمة في نشر الثقافة ما هي إلا ثلاثة وثلاثون عاماً في بناء إنسان موطنه بلد صغير في الجغرافيا ومحفور اسمه في التاريخ. ها هي الحركة الثقافية تستمر في رسالتها من خلال ثقافة الكلمة، ثقافة المعرفة، ثقافة الفن والانتماء، وثقافة الحرية والمواقف الوطنية. تؤمن بالكتاب سبيلا للمعرفة اللامحدودة في عصر المحدود، تؤمن باللحن والنغم غاية تساعد النفس على التحليق في سماء جمال الخلق، وثقافة تفكك قيود الواقع لتعود وتبني واقعا جديدا يليق بإنسان الثقافة والمعرفة. فهي لا تزال وفية لتلك الأوراق التي تجمعت في كتاب تحمل معاني وأفكار كاتبها لتلازم القارئ في أوقات وأماكن يختارها ليختلي به، فتستسلم بين يديه تلك الصفحات يقلبها كيفما شاء وهي طائعة مبتسمة. فمهرجان الكتاب هو تحية وفاء لكل إنسان كاتب كان أم قارئا”.

وختم مرحبا بالحضور: “أهلا بكم في رحاب الحركة الثقافية – أنطلياس في هذه الأمسية لنتشارك سوياً في اضاءة شمعة الحكمة والمعرفة والثقافة والحرية، وننطلق في هذه التظاهرة الثقافية الوطنية السنوية، ونفتتح المهرجان اللبناني للكتاب في سنته الثالثة والثلاثين”.

سلامة

ثم ألقى أمين المهرجان، منير سلامة كلمة قال فيها: “أيها السادة، حضرة ممثل فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان معالي وزير الثقافة الأستاذ روني عريجي، تتشرف الحركة الثقافية – انطلياس بحضوركم مسؤولين رسميين تشريعيين وتنفيذيين، أهل عدالة، ورجال دين ودبلوماسيين وعسكريين وأمنيين، نقابيين وإعلاميين، أهل اختصاص ومثقفين وأصدقاء للكتاب… وذلك في الافتتاح الثالث والثلاثين للمهرجان اللبناني للكتاب في الدورة التي اسمها وديع الصافي…عربون شكر ووفاء لهذا الكبير الذي غادرنا، وديع الصافي القيمة الفنية والإنسانية والوطنية….الصوت الذي حملنا إلى كل بقعة من لبنان وإلى كل مكان حل فيه أبناء هذا الوطن في هجراتهم المستمرة.mihrajan kitab

أيها الأصدقاء، أن نفتتح معاً، المهرجان اللبناني للكتاب، وفي هذا الزمن بالذات لهو فعل إيمان بلبنان الوطن، الذي نسي الكثيرون وبخاصة أهل السياسة ومتعاطوها، أقطاباً وأتباعاً، الدور الذي يميزه في هذه المنطقة العربية المتأرجحة شعوبها بين ظلم الحكام وبين ظلام الأصوليات الجاهلية…هذا الدور الذي هو دور الريادة الفكرية والتقدم العلمي والحداثة بأبعادها الحضارية كافة…نسي هؤلاء او تناسوا، أنهم ما كانوا ليكونوا على ما هم، لولا مساحة الحرية في هذا الشرق التي هي لبنان، مساحة التفاعل الإنساني بين مكوناته كافة في إطار الديمقراطية، وحقوق الإنسان وقبول الآخر. هؤلاء الذين انجرفوا في محاور القوى المذهبية المتحاربة تحت عناوين مختلفة، من الشواطئ الشرقية للمتوسط إلى شواطئ الخليج العربي، والتي أطاحت بالمفاهيم الوطنية والقومية واسقطت أحلام النخب العربية بالوحدة والحرية. وآمال الحرية والديمقراطية في سوريا، تحولت الى حرب مذهبية مهما حاولت هذه القوى وضع عناوين لها وتبريرات، ونتيجتها واحدة: مزيد من الدمار والدماء والحقد المتراكم على مدى أربعة عشر قرنا، بالإضافة إلى تفكيك المنطقة وتفتيتها إمارات أو دويلات مذهبية خدمة للدولة اليهودية، وما التشريع الذي أقره الكنيست الإسرائيلي باعتبار العرب في إسرائيل مسيحيين ودروزا ومسلمين سوى الدليل على ذلك.

هؤلاء الذين أوغلوا في التبعية بعيداً، لا يسألون عن مصلحة وطنية ومصالح مواطنين، فأثاروا الغرائز وأمعنوا فساداً، أو تغاضوا عن فساد نخر جسم الدولة اللبنانية ومؤسساتها وأوصلها إلى الانهيار.

أيها الحفل الكريم، يطول الوجع والكلام عليه، لكن المناسبة تحملنا على الأمل بقدرة مجتمعنا على التعالي فوق كل الجراح والحواجز، وعلى السير قدماً في إرساء ثقافة الحوار والسلام والبناء، وعلى فتح آفاق جديدة لأجيالنا الشابة، لتبقى وتعيش وتبني في دولة عصرية تحميهم، وترعى طموحاتهم وتساعدهم على تحقيق آمانيهم.

أيها الأصدقاء، إن هذا المهرجان ليس معرضاً للكتاب فحسب، إنه كذلك وزائد. تكريم لسبعة من أعلام الثقافة رجال فكر وعلم وقانون وفن وتربية ودبلوماسية ينضمون إلى كوكبة من الأعلام الذين كرمتهم الحركة الثقافية منذ تأسيسها. وللمناسبة صدر الكتاب الأول من مجموعة أعلام الثقافة للمكرمين في السنوات العشر الأولى، وستصدر المجموعات الأخرى بمجرد تأمين المبالغ اللازمة من راع او أكثر لهذه الاصدارات.

تكريم المرأة في يومها العالمي سيكون مع المحامية عليا بارتي زين، وللمعلم في يومه مع الاستاذين فارس عون ومحمد قاسم، وفي المهرجان أيضا ندوات تتناول مواضيع متنوعة ثقافية وتاريخية واقتصادية وطبية وجغرافية وسياسية، وتعرج على الأزمة السورية وانعكاساتها على لبنان واقتصاده، وكذلك ندوات تناقش إصدارات متعددة لأدباء وشعراء وأساتذة كبار. أما النشاطات الصباحية فمخصصة للاولاد وللتلاميذ بخاصة. وهي متنوعة المواضيع من زراعة وبيئة وصحة وتراث ورياضة ومسرح وسينما وموسيقى، وحكايات للأولاد، مع أطباء وأساتذة ومسرحيين وسينمائيين ورياضيين وغيرهم. هذا ولا ننسى عشرات التواقيع لإصدارات حديثة على منصة الحركة أو أمام الدور الناشرة. وكما في كل سنة تخصص الحركة الثقافية، على مدخل المهرجان، لوحة تذكارية لأعلام لم يعودوا معنا، وكان آخرهم الشاعر الكبير انسي الحاج الذي تخصص الحركة الثقافية لذكراه ندوة في العاشر من آذار الساعة السادسة والنصف بعنوان “حي في الذاكرة”.

أيها الأصدقاء، بما أنهم لا يبنون بالسياسة “كما هو مفروض” فمعكم نجدد الإيمان بأننا “بالثقافة نبني” وبأن الكتاب، ومهما بلغت الالكترونيات، سيبقى صديقنا الأوفى، وجسر العبور إلى فكر الآخر وفنه وأدبه وعلمه، وبوابة الانفتاح على الحضارة الإنسانية”…

الهاشم

وألقى رئيس دير مار الياس أنطلياس رئيس الحركة الثقافية الأب ريمون هاشم، كلمة استهلها بالترحيب بالحضور ثم قال: “من هذا الدير الراعي لتطور الحركة الثقافية في مار الياس انطلياس ومسارها منذ نشأتها، والحاضن لمشاريعها التنموية، والحاضر لاحتياجات أعضائها في بلورة كل ما يسهم في إنجاح أعمالهم المشتركة، أرحب بكم مفتتحا وإياكم الدورة الثالثة والثلاثين للمهرجان اللبناني السنوي للكتاب، آملا كما في كل عام أن يكون هذا المعرض الفرصة الذهبية التي ينتظرها الجميع على أبواب الربيع لإرواء الأذهان من ينابيع الفكر الأدبي اللبناني الذي لا ينضب والذي يجري في عروق شعبنا على مر الاجيال.

يشرفني اليوم كما في العامين المنصرمين أن أقف شاهدا أمينا على ثمار أتعابكم ونتاج صلواتكم وسهركم الدؤوب، ليكون للحركة الثقافية دور الريادة في تفعيل النشاطات الثقافية وتسليط الضوء على بواكير الأعمال الفكرية، وتجييش الطاقات البشرية لتغذية القدرات الإبداعية والكوامن الفنية.

باسمكم الكريم أود أن أشكر فخامة رئيس الجمهورية ميشال سليمان بشخص ممثله معالي وزير الثقافة السيد ريمون عريجي على حضوره المميز بيننا، ومن شيم فخامته أنه يملأ الفراغات، ويحل الوفاق ويغطي الثغرات كما عهدنا معه، وفي ما شهدنا من جهود سخرها لتشكيل حكومة الوفاق الحالية، الداعية بإذن الله للانتقال بالبلاد إلى مرحلة جديدة نتوخاها صفحة بيضاء يخط عليها المسؤولون الجدد بذور الوحدة والوئام.

نشكر فخامة الرئيس أيضاً على رعايته لهذا المهرجان، كما عودنا بأن يكون دوما الداعم الأول والمشجع للمجهود الثقافي والحركة الفكرية أينما حلت لإيمانه العميق بأن الكلمة الأخيرة تبقى للفن الأدبي الراقي في لبنان، هذا البلد مزقته الأحقاد وتصارعت عليه المصالح الشخصية وبات رهينة لشتى المطامع الغريبة، ولكن قلبه بقي نابضا بالحرف الذي عرفه فتيا وصدره للعالم أجمع كنوزا نفيسة تعمر إلى دهور لا تفنى اسمها جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، ومي زياده، والياس أبو شبكة، وفيروز، والرحابنة، ووديع الصافي…وغيرهم.

يسعدني اليوم من هذا الصرح الكريم أن أهنئ أعضاء الحركة الثقافية على اختيارهم لعنوان المهرجان لهذه السنة وهو “دورة وديع الصافي”، الذي أرادوا به تكريما موجبا لمن لا يفه تكريم، مهما عظم، حقه من التقدير، لعملاق الفن والأصالة، لصوت رخيم رتل الأبانا ورنم نشيد مريم “تعظم نفسي الرب”، فصلت معه الحجارة وابتهلت لخشوعه أجراس الكنائس. وديع الصافي حمل عزة لبنان في صوته وجرح الوطن في قلبه فصار رمزا شامخا كالأرز، جذوره في أعماق الأرض وأغصانه تجاور السماء، كان جبارا في اتضاعه فرفعته المنابر اللبنانية إلى سدة العظام الذين بذلوا فنهم ومواهبهم في سبيل قضايا الوطن السامية.

عسى أن يكون هذا المهرجان تحية إكبار وإجلال للراحل الكبير الحاضر في ذاكرتنا وفي وجداننا، صوتا يحيي فينا محبة لبنان، والصمود في أرضه، ويزكي فينا رغبة التوحد على اختلاف هوياتنا وانتماءاتنا وشعاراتنا”، قائلا: “مجددا أرفع قلبي وصلاتي ليبارك الرب ثمرة أعمالكم ويرتد عليكم مجهودكم وسهركم بالخير والبركات والنجاح الوافر، وباسم الرهبنة الأنطونية المؤمنة بسعيكم، والمحفزة لمشروعكم الناهض والأم الممتلئة بهجة لفرح أبنائها بخدمتهم، استودع الله المهرجان اللبناني الثالث والثلاثين -دورة وديع الصافي- ليمن عليه بالتوفيق والاستمرارية ودوام الثمر”.

خليفة

والقى الأمين العام للحركة الثقافية- انطلياس عصام خليفة كلمة رحب فيها بالحضور، وقال:” تقصدنا أن نطلق على هذه الدورة اسم الفنان اللبناني الذي تربينا على فنه، ألا وهو وديع الصافي. إن حركتنا تحيي روح هذا العملاق الخالد، وقد خصصت اليوم الأخير من المهرجان (16 آذار) لابراز انجازاته الفنية وخصائصه الإنسانية والوطنية. لقد غنى ابن نيحا الشوفية أصفى ما في تراثنا الشعبي من مآثر الفرح والبطولة، عكس ما تختزنه جبالنا من الفولكلور الضارب في جذور التاريخ، أخرجه في حلة أنيقة من المعنى والصوت والصورة والموسيقى التي تبقى خالدة مع الأيام، وتستمر متألقة تعكس إبداع الشعب اللبناني في أرجاء العالم العربي وبلاد الانتشار، فتحية لروح وديع الصافي من المهرجان اللبناني للكتاب ومن كل المثقفين اللبنانيين على كل عطاءاته.

يأتي مهرجاننا هذا العام ولبنان يواجه في هذه المرحلة من تاريخه عدة أخطار، من أبرزها:

1 – خطر وصول النيران المندلعة في الجوار السوري الى الداخل اللبناني، مع كل العنف الكامن في نسيج البنيات الطائفية المتفاعلة في جسم التوأمين السياميين سوريا ولبنان.

2 – خطر تغيير الوجه الديمغرافي لمجتمعنا، في ظل تدفق اللاجئين السوريين والفلسطينيين غير المنظم الى مختلف المناطق اللبنانية. ونحن نعرف ان من يحسم الديمغرافية يحسم في التاريخ.

3 – احتمال قيام لعبة الأمم بتغيير واقع الجغرافيا السياسية في المستطيل الجغرافي الكبير من قلب الأناضول إلى المحيط الهندي. في هذا السياق نتخوف من ان تتم التسويات على حساب هويتنا ودولتنا اللبنانية.

4- استشراء “الفساد البنيوي الكبير” حيث يتم التصرف بالمال العام واستغلال المرافق العامة من قبل اطراف وجهات معروفة، وتنامي “الفساد الصغير” حيث يضطر المواطنون إلى المحسوبية والواسطة أو لدفع الرشوة من أجل الحصول على خدمات مشروعة (وزيادة الدين العام عن 65 مليار دولار). ولئن كانت معالجة الفساد تحتاج إلى إجراءات تشمل، في ما تشمل، إصلاح الأوضاع الاقتصادية، وتفعيل سلطة القانون وآليات المحاسبة، وضمان الشفافية في الحكم، فإن الفساد البنيوي لا علاج له إلا بإصلاح جذري للبنية السياسية القائمة.

5- تعطيل الآليات الديمقراطية في نظامنا السياسي. لا بل ثمة إمعان في زعزعة أوليات بنيان الدولة: فالبرلمان مدد لنفسه ولا يجتمع، ولا اتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية، والميثاق الوطني الذي وضعه آباء الاستقلال في منزل يوسف السودا عام 1938 وتم تجسيده في عام 1943، وتم تجديده في الطائف لاحقاً، يجري خرقه من خلال الأطراف المتجاهلة لبديهيات مرتكزات الدولة، والقوى العسكرية في الدولة (من جيش، وقوى امنية) لا يتم تعزيزها عدة وعتاداً وعديداً لمواجهة الأخطار الوجودية الداهمة (داخلياً وخارجياً). وبدل أن يصل عدد الجيش إلى مئة وخمسين الفاً خفض إلى ثلث هذا الرقم.

6- ثمة تقدير بارتفاع مستوى الفقر في مجتمعنا. ويعطي الباحثون رقماً معبراً (40% من شعبنا تحت خط الفقر). وأن التركيبة الطبقية لا تساند مجتمع الحرية والحكم الصالح. هذا الوضع يتمفصل مع واقع طائفي مذهبي مأزوم ويمكن أن يولد عنفاً مدمراً للإنسان والعمران معاً. في هذا المجال يستمر جشع البعض برفض تحقيق إصلاح جذري يبدأ باقرار السلسلة الجديدة، ويطال إقالة غير الاكفياء وتطهير الإدارة.

7 – في المؤسسة التعليمية، على مستوى الجامعة ومستوى المدرسة، يغلب أن نجد المناهج وأساليب التعليم والتقييم تكرس التلقي والخضوع. وثمة افتقار للحوار الحر والاستكشاف النشط وتعزيز التفكير والنقد والقدرة على المخالفة وتجاوز الراهن. ثمة تنامي للانتماءات المذهبية والتعصبية وإعادة انتاج البنيات الطائفية وثمة أخطار للبطالة ولهجرة الكفاءات الشابة (22 ألف مهاجر سنويا). إن القوى السياسية الفاسدة والمفسدة تنقض على المدرسة الرسمية والتعليم المهني وبعض التعليم الخاص وعلى الجامعة الرسمية، وتمعن فيها قهراً واستغلالا ووصاية بحيث ينعكس ذلك على جودة التعليم وعلى تعطيل الوعي الوطني لدى التلامذة والطلبة.

8- إذا كان القضاء المستقل هو الشرط الأساسي للمجتمع الذي يتمتع أفراده بحقوقهم وحرياتهم. وإذا كانت العلاقة بين استقلال القضاء والمناخ السياسي الحر هي علاقة جدلية، فإن القضاء لن يستطيع ان يلعب دوره بفعالية في ظل الانقسامات المذهبية الحادة التي تصادر الحقوق والحريات وتعطل العمل بالقانون ومؤسساته. وإذا كان يوجد عندنا قضاة اكفياء وشعجان ومستقلون كافراد، فإن المشكلة هي في شلل مؤسسات الدولة وتأزم الواقع السياسي وصعود المناخات الاستبدادية من قبل بعض مكونات المجتمع والدولة بما يناقض مبادئ الحقوق والحريات وأولوية القانون في مواجهة المفاهيم التي تعيدنا الى مرحلة ما قبل الدولة الحديثة وقوانينها الوضعية.

9 – على الصعيد البيئي ثمة مشكلتان مطروحتان: شح الموارد والتلوث البيئي. وبرغم غنى وطننا بالمياه، من حيث المبدأ، فإن شعبنا يعاني من العطش في مناطق كثيرة ويعاني من أزمة الطاقة الكهربائية. ثم هناك مشاكل التلوث وتفاقم مشكلة النفايات والصرف الصحي. ويجب أن لا نقلل من أهمية الزراعة وتربية الحيوانات في توفير الغذاء لمجتمعنا، لا سيما ونحن نحتفل بمرور مئة عام على الحرب العالمية الأولى، وما رافق هذه الحرب من مجاعة قضت على ثلث الشعب اللبناني.

10 – تفاقم التوتر بين المذاهب الدينية وضمن هذه المذاهب، مع تصاعد الأصوليات في مختلف أرجاء عالمنا العربي في ما يشبه الأوعية المتصلة: فالاصولية اليهودية تهدد بإحياء هيكل سليمان على أنقاض الأقصى، وتطرح قيام الدولة اليهودية، والأصوليات الإسلامية، السنية والشيعية، تريد إعادة بناء المجتمع على أساس ولاية الفقيه من جهة، أو على أساس أنماط خارجة من أغوار ماضي الشريعة الإسلامية من جهة أخرى (الحكومة الإسلامية- الخلافة- الإمارة…) والمسيحية، في أجنحتها المختلفة، تتقاعس عن مواكبة الإصلاحات التي يقودها البابا فرنسيس، أو تلك التي توصل إليها المجمع الماروني الإنطاكي، والكنائس الشرقية تتأرجح بين خطر الهجرة والتهجير وخطر الرهان على مقولة تحالف الاقليات.

11- نحن نعرف أنه منذ العام 1980، وبتكليف من وزارة الدفاع الأميركية، بدأ المؤرخ الصهيوني برنارد لويس بوضع مشروعه الشهير الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية، وتفتيت كل منها إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية. وقد أرفق بمشروعه المفصل مجموعة من الخرائط المرسومة تحت إشرافه. وفي العام 1983 وافق الكونغرس الأميركي، بالإجماع، في جلسة سرية على مشروع الدكتور برنارد لويس. وفي عام 2007 نشر رالف بيترز، في مجلة القوات المسلحة الأميركية، مقالا عنوانه “حدود الدم” يطرح تقسيم العالم العربي، وكذلك اعترف قائد القوات الأميركية ويسلي كلارك بوجود تلك المخططات. من الواضح أن ثمة إرادة صهيونية بتفكيك المنطقة والسؤال: إلى أي حد يستطيع النسيج العربي أن يصمد في مواجهة تلك الإرادة؟ وإلى أي حد تنفذ السياسات الدولية الفاعلة، أو تعارض تلك المخططات الخطيرة في أبعادها ونتائجها؟

قد يقول قائل ما دخل الحركة الثقافية بكل هذه الأمور، ولماذا تطرح قضايا وتعالج مواضيع خارج نطاقها الثقافي. جوابنا واضح: إن الحركة الثقافية- انطلياس منذ نشأتها مارست العمل الثقافي دفاعاً عن المصالح الوطنية العليا للشعب والوطن:

– ثقافة تدافع عن استقلال الدولة اللبنانية ضمن حدودها المعترف بها دولياً، وتدافع عن الميثاق الوطني بكل مندرجاته ومفاعيله وبخاصة مبدأ الحياد بين الشرق والغرب. ومبدأ وحدة الدولة التي تجمع المسلمين والمسيحيين في اطار المواطنية والعدالة والمساواة.

– ثقافة تصون الحرية بما يضمن توسيع خيارات الناس وحماية جوهر التنمية.

– ثقافة تدعو إلى الارتكاز على المشاركة الشعبية الفعالة، مع تمثيل شامل لعموم الناس.

– ثقافة تؤكد على عمل مؤسسات الحكم بكفاءة وشفافية كاملة، وتخضع للمساءلة الفعالة في ظل فصل السلطات والتوازن بينها، ومن قبل الناس مباشرة من خلال الاختيار الدوري الحر النزيه.

– ثقافة تعلي سيادة القانون المنصف والحامي للحرية، على الجميع على حد سواء.

– ثقافة تدعم القضاء الكفء والنزيه والمستقل تماما، والساهر على تطبيق القانون، وتنفيذ احكامه بكفاءة من جانب السلطة التنفيذية.

– ثقافة تدافع عن العدالة الاجتماعية وحق كل مواطن في الصحة والتعليم والسكن والعمل والغذاء والدواء غير المغشوش، ضمن بيئة نظيفة وجميلة ومنظمة.

– ثقافة تدين الارهاب والتفجير والعنف الأعمى الذي يقتل الاطفال والنساء والناس العاديين، وتدين الخطف والاعتقال الاعتباطي والتعذيب للابرياء.

– ثقافة ترفض مبدأ التهجير على اساس طائفي او سياسي، وتؤكد على احترام كل الديانات السماوية من خلال تصالحها مع مبدأ الحداثة.

– ثقافة تركز على مبدأ المواطنية وشرعة حقوق الانسانية والمواثيق الدولية الملحقة بها.

– ثقافة منفتحة على كل العلوم والفنون والآداب والعلوم الانسانية التي شكلت جوهر الدور اللبناني في النهضة العربية المعاصرة.

– ثقافة تحافظ على الأرض فلا يتم بيعها لجهات مشبوهة ويتم استغلالها بالطرق الحديثة للحفاظ على الأمن الغذائي.

– ثقافة تواجه مخططات التفتيت وصدام الحضارات والتقسيم على قاعدة التناقضات المذهبية والطائفية.

في مواجهة هذا الواقع الذي عرضنا بعضاً من ملامحه نجد أن من واجب النخب الثقافية السعي إلى تطوير خطاب بناء غير اقصائي. وأن تجتهد في ايجاد الجوامع المشتركة بين جميع القوى السياسية للخروج من حالة التشرذم والاستقطاب التي تسد الطريق على أي تحول ديمقراطي حقيقي في وطننا. وهذا يفترض أن يبادر أهل السياسة إلى فك ارتباطاتهم مع القوى الخارجية، والالتزام بأولوية المصالح اللبنانية وبالحلول الديمقراطية لكل الخلافات، وأن ترفع بوضوح مطالب الحرية للجميع وألا تقبل بحال أن تشارك في القمع أو التبرير له. ألم يقل كبير رجال الاستقلال الزعيم الوطني حميد فرنجية: “الخير يصبح شرا إذا اختلف عليه اللبنانيون، والشر يصبح خيراً اذا اتفقوا عليه”؟ والمطلوب أيضا ان تسعى النخب الثقافية إلى الضغط من اجل مواجهة كل انواع الاستبداد والقمع والفساد والاستهتار بالحريات وحقوق الإنسان”…

وعرض برنامج الحركة لهذا العام، كالتالي:

“أولا: الاستمرار في تقليد تكريم اعلام الثقافة في لبنان والعالم العربي (الرعيل 29). واذ نؤمن بأن أمثال هؤلاء الأعلام هم حملة المشعل لقيام مجتمع المعرفة، فإننا على بينة من أن العلم أو المعرفة ليسا سلعة تستورد بقدر ما هما ثقافة وبنى مؤسسية وأنشطة لا بد أن تغرس في واقعنا المجتمعي ويتم رعايتها بالموارد الكافية وبالرعاية الدائبة من متخذي القرار ومن النخب ومن الشعب عموما.

وفي هذه الدورة نكرم إدمون رزق الأديب صاحب اللغة العربية الأنيقة، والمحامي المتمكن من القوانين، والخطيب المفوه والسياسي الذي دافع عن القضية اللبنانية طوال حياته المديدة دون مساومة او تهاون. ورجل الدولة الذي كان له دوره في المفاصل الوطنية الحاسمة.

وتكرم حركتنا ابن وادي الرافدين الدكتور خير الدين حسيب خريج جامعة كمبردج والذي تسلم مسؤوليات هامة في العراق، قبل ان تجبره مصاعب الوضع السياسي على المجيء الى لبنان حيث اشرف على نجاح مركز دراسات الوحدة العربية. هذا المركز الذي اصدر مئات الكتب الأكاديمية الرصينة التي انتشرت في كل أرجاء العالم العربي وكان لها تأثيرها البارز على المثقفين العرب. وكما كان ناجحا في إدارة المركز وفعالية إنتاجه فقد اشرف على ترجمة امهات الكتب العالمية الى اللغة العربية، وهذا عمل يذكرنا بما فعله الأجداد مع النهضة الثقافية في فترة الترجمات ابان الحكم العباسي.

ومن خلال الفنان سمير أبي راشد تكرم حركتنا فناناً متفوقاً في دقة رسومه يضاهي في إبداعه أهم الفنانين العالميين، ويذكرنا بميكال انج ودافنشي في كلاسيكيته البارعة.

ومع الدكتور صلاح سلمان تكرم الحركة الطبيب الباحث، والإنسان الطيب والعامل بنشاط في الحقل الاجتماعي والوطني وابن العائلة التي كان لها الدور الطليعي في العمل العام.

بالنسبة الى الدكتور ظافر الحسن تكرم الحركة الدبلوماسي الذي دافع عن القضية اللبنانية في أحلك الظروف، وكان مخلصا في دفاعه عن مصالح الشعب اللبناني. كما تكرم صاحب الموسوعة الدبلوماسية التي تشكل منجما لكل باحث في تاريخ لبنان المعاصر (عشر مجلدات).

وفي تكريم الدكتور عدنان الأمين تكرم حركتنا جيلا من خريجي الجامعة اللبنانية، الذين حملوا مشعل الإصلاح لتحسين التعليم فيها وفي المرحلتين الابتدائية والثانوية، وقاموا بإنجاز الأبحاث والدراسات وأكدوا الحضور الفاعل لهذه المؤسسة في منافسة الجامعات الخاصة. وفي تكريمنا للدكتور الأمين أيضاً تعزيز للخط العقلاني الحر في مجتمعنا.

ومع موريس المعلوف تكرم الحركة الثقافية ممثلا رافق النهضة المسرحية منذ الستينات وشارك في التظاهرات التي حصلت في هذا المجال. وقد شارك ابن الدوحة المعلوفية العربية في خدمتها للثقافة بتعليم الفن المسرحي في الجامعة اللبنانية وفي الجامعات الخاصة.

ثانيا: نستمر في يوم المعلم بالتذكير بمن اعطى زهرة عمره للتربية. فنكرم الاستاذ فارس عون الذي درس العلوم الطبيعية والكيمياء على امتداد عشرات السنين في أعرق المدارس الخاصة، ونكرم النقابي استاذ اللغة الانكليزية وآدابها والعضو المستمر في رابطة التعليم الثانوي الرسمي الاستاذ محمد قاسم.

ثالثا: هناك لوحة على مدخل المعرض تحية اكبار واجلال لمثقفين لبنانيين وعرب رحلوا هذا العام وآخرهم الصديق انسي الحاج، وهم بحسب الترتيب الأبجدي: أحمد دنش (درباس)، أماليا أبي صالح، أنطوان حرب، أنسي الحاج، أنيس ابو غنام، جوزف حرب، زهوة مجذوب، سليم باسيلا، عصام حداد، محمد دكروب، منصور عيد، منير شماعة، ناجي علوش، نقولا النمار، يوسف سعد الله الخوري ويوسف عساف.

رابعا: تواقيع الكتب الجديدة وعددها يفوق الخمسين في مختلف المواضيع. ورغم تراجع القراءة لدى الأجيال الشابة وتصاعد أهمية الوسائل الالكترونية، فان الكتاب الورقي يبقى له الأهمية الراسخة.

خامسا: النشاطات المرافقة:
1- النشاطات الصباحية المخصصة للتلامذة والطلاب وعددها 17 نشاطاً، وهي تتناول مواضيع متنوعة: الحكايات، الرياضة، الفنون، البيئة، التراث، التاريخ، المسرح، الموسيقى والصحة وغيرها.

2- ندوات ما بعد الظهر: (الساعة 4,30 و6,30) وهي تزيد عن العشرين، يشارك فيها ما يزيد عن ال133 باحثا، وهي تتناول الزراعة والغذاء والمياه في لبنان بمناسبة مرور مئة عام على الحرب العالمية الأولى وعوامل التغير المناخي وقضايا البيئة والسرطان، وانعكاس الأزمة السورية على لبنان والمنطقة على الأصعدة كافة، ومناقشة بعض الروايات والكتب الصادرة حديثا، والاصوليات الدينية وخطرها على الحريات في الشرق الأوسط، واصلاحات البابا فرنسيس وتأثيرها على كنائس الشرق الأوسط. وندوة خاصة بعنوان: انسي الحاج حي في الذاكرة.

سادسا: منشورات المهرجان

طبعت حركتنا في هذه المناسبة خمسة كتب:

1- مجلد اعلام الثقافة في لبنان والعالم العربي، ويتضمن 7 سنوات (بين 1983- 1992) عدد الصفحات 608. وحركتنا تزمع انها تستمر في طبع اجزاء اخرى في الاعوام القادمة، لأن معظم وسائل الاعلام تعود الى ما ورد في منشوراتنا للتعريف بمختلف الشخصيات التي سبق تكريمها.

2- كتيب اعلام الثقافة في لبنان والعالم العربي لهذا العام (الرعيل 29)، 64 صفحة.

3- الكتاب السنوي الذي يتضمن مجمل الندوات التي نظمتها الحركة خلال الموسم المنصرم، عدد الصفحات (260 ص).

4- كتاب المهرجان (800 صفحة) وهو يتضمن نشاطات المهرجان اللبناني للكتاب في دورته الثانية والثلاثين (آذار 2013).

5- كتاب رئيف خوري الكاتب التنويري (258 ص) وهو الكتاب الثاني الذي تساهم حركتنا في نشره بمناسبة مئوية ولادة رئيف خوري، بالتعاون مع المجلس الثقافي للبنان الجنوبي وعائلة المثقف اللبناني الاستثنائي.

لا يمكن أن نوضع أمام خيارين، أما التبعية لأنطمة الاستبداد والقهر وقمع الحريات التي قتلت الأطفال وهجرت الملايين ودمرت العمران ومارست الاعتقال الاعتباطي والتعذيب، وأما العودة إلى أهل الذمة ودفع الجزية والعودة إلى أشد أيام التاريخ ظلماً، والخروج عن تقاليد احترام التعدد في مجتمعاتنا المشرقية بما يخدم مخططات اسرائيل التفتيتية.

 باسم قطاع واسع من المثقفين اللبنانيين وقوى المجتمع المدني نعلن في افتتاح هذا المهرجان ان احترام شرعة حقوق الانسان وملحقاتها، واحترام سيادة الدولة اللبنانية واستقلالها ضمن حدودها المعترف بها دولياً، هما قاعدة مقاومتنا الثقافية والوطنية. وفي ضوء ذلك نحدد مواقفنا من الجميع. وفي مرحلة صياغة الخرائط الجديدة، ومشاريع “الوطنيات” المذهبية على امتداد المشرق العربي، لن نهرب من عملية الصراع. شعارنا الدفاع عن حريات شعبنا وعن اسس المواطنية الحقة في مواجهة كل الاخطار والاطماع الداخلية والاقليمية والدولية”.

عريجي

ثم ألقى ممثل رئيس الجمهورية كلمة قال فيها: “شرفني فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بتمثيله في هذا الحدث الثقافي الذي يعكس حضارة لبنان التي طالما كانت عاصمته عاصمة للنشر كما هي عاصمة للحرية.

معرض الكتاب في أنطلياس حدث سنوي، بل تظاهرة ثقافية سنوية هي أشبه بفعل تحد في ظل ظروف مختلفة، منها الأمني ومنها الاقتصادي ومنها – وقد يكون الأهم – تراجع القراءة لأسباب مختلفة. فالكتاب الذي طالما كان خير جليس يكاد يكون على الرف، مستبدلا بشكل متزايد بالقراءة الإلكترونية، أو بسبب ما نعانيه من تراجع كي لا اقول انهيار ثقافي هو جزء من تراجع عام طاول الكلمة والأغنية والمسرح وكل الفنون. وعليه، فإن هذا المعرض هو عملية إنقاذ دائمة لوطن الإبداع، لوطن الكلمة وحرية التعبير. والحركة الثقافية أنطلياس بما تحققه، تعطي الحافز أيضا للكتاب والشعراء والباحثين والناشرين وتمنحهم مساحة لإنجاز ما يتمنون.

وما لفتني أيضاً، أن هذه الدورة الثالثة والثلاثين هي على اسم قامة لبنانية كبرى، على اسم “لبنان الصوت”، على اسم الكبير وديع الصافي الذي غنى لبنان، وأغناه وظل يغني حتى الرمق الأخير، فشكرا لكم تكرمون مبدعين وانتم مبدعون.

أيها الأصدقاء، “في البدء كان الكلمة”، ومن هذا المنطلق فالكلمة ليست مجرد “كلمة”، بل هي مسؤولية، فكيف بكتاب سيشكل يوما ما مرجعا أو يحث على تغيير ويدعو إلى تطوير ويفتح أبوابا للجدل والنقاش، وهما عاملان أساسيان لتطويرالإنسان وفكره وروحه. مسؤوليتكم كبيرة، لكنكم أثبتم منذ عقود أنكم على قدر المسؤولية واكثر، وكلنا يعرف ضعف امكانياتكم التي يعوضها حبكم للكتاب وشغفكم بالثقافة، وإيمانكم بالوطن. شكرا لكم، ومنحكم الله القدرة على الاستمرار والنجاح الدائم”.

كلام الصورة

وزير الثقافة مفتتحاً المهرجان اللبناني للكتاب

اترك رد