الشعب هو من يدفع الثمن ….

 

  د.هبة المل أيوب 

 

منذ خريف سنة 2019 والدولار في السوق اللبناني يشهد تصاعداً مما ينعكس ذلك على الوضع الإقتصادي والإجتماعي، فالتضخم وإرتفاع الأسعار بشكل جنوني يضيّق الخناق على الشعب اللبناني ، مؤخرا بات الحديث عن دولرة الأسعار في السوبرماركت مما يحمي التاجر ويضمن له سقفاً محددا للربح،  اليوم وحتى لحظة كتابة هذه السطور وصل الدولار الى مشارف ال92 ألفاً ، فتدخل البنك المركزي الذي من مهماته اتخاذ التدابير التي يراها مناسبة لضمان استقرار سعر الصرف، على أثره  تمّ رفع سعر الصيرفة الى ال 70000 وارتفعت معه  رسم خدمة الكهرباء وخطوط الهواتف وانخفض الدولار  10000 ، هذه المجريات تضع البلاد امام العديد من التساؤلات ، أهمها  كيف للمواطن اللبناني ان يدفع فاتورة الكهرباء التي باتت تسجل ارقاماً خيالية؟ وكيف يمكن أن يواجه هذه الإحداثيات التي تضعه امام دهشة يحتاج عقله الباطني الى مزيد من الوقت ليستوعبها ويتقبلها  ؟  كيف ينعكس ذلك على الوضع الاقتصادي والإجتماعي؟

في الواقع إن التوازن في الأمور كلها باتت بعيدة المنال خاصة أن الأسر اللبنانية لا تزال تعيش القهر والحرمان، مما يزيد الوضع تأزماً وألماً ، فالشعور بالإختناق والصدر المثقل بالهموم هي من يوميات العامل الكادح الذي يسعى من الفجر لكسب لقمة عيشه، ولتأمين الحاجيات الأساسية لعائلته، فمن يضع المسؤولون في خانة المتهمين الأولين ومن يضع لهم تهمة تضليل الشعب وإلهائهم بالهموم التي باتت الخبز اليومي، فالأوضاع تشهد تقلبات  مصيرية  تتناسب مع الطبقة الحاكمة العاجزة عن ترميم ما تبقى من دولة، فقطاع التعليم يعاني ما يعانيه من إنعدام السبل والإمكانية للوصول الى إنفراجات،  فزيادة الأجور التي يطالبون بها يقابلها غلاء معيشة كبير وإرتفاع لسعر الدولار،  أي باتت الأمور تدور في دائرة مفرغة ، فلم يعد موجودا ما يسمى الطبقة الوسطى ، فإما فقير مدقع وإما غني مترف ، هذه الطبقة التي حافظت الدولة اللبنانية على وجودها وبقائها منذ إنتهاء الحرب الأهلية وتثبيت الدولار على سعر 1500،  واليوم ومنذ أواخر العام 2019 تمّ القضاء على هذه الطبقة واندثرت أي ان ثمة غياب للتوازن والإعتدال .

الآن لنعود بالذاكرة  الى الوراء سنستنتج أن الفشل لم يظهر برهة ، إنما هي تراكمات لفساد وسياسات خاطئة وسوء إدارة ، فسرقة المال العام والتغطرس والتجاهل لحقيقة ما جرى وسيجري، يضعنا امام حالة من الذهول والإستغراب، ونحاول النظر مجددا لنجد ان تساؤلاتنا  متمحورة أين هم رجال الدولة اين ضمائرهم أهي ميتة او حيّة ، فإن كانت حيّة في ظل  هذا الوضع فهي تنذر بأننا وصلنا الى مجتمع الغاب لا مجتمع انساني ،  مجتمع همّه الإيقاع بالشعب ووضعه في قائمة الإنتظار ، إنتظار لموت محتّم موت 2 / 2

المخططات المستقبلية لآلاف الشبان المستقبليين ، وما الهجرة بقوارب الموت سوى الخطوة التي يقدمون عليها للهروب من الواقع الذي بات يضعهم امام خيار لا ثالت هو الموت بكرامة ، الى اين وصلنا الى مرحلة اللاعودة الى مرحلة الصفر التي تهدد الوجود وتهدد الروح بالفناء ، فما نعيشه هو القبول  والتوافق لما يجري والسير مع الأغلبية الساحقة من الشعب وتقليد سلوكياتهم أي لا معارضة ولا تسجيل موقف ينذر بإنتهاء قريب للأزمة المعيوشة والمتدارك لنتائجها على الروح الإنسانية.

أخيراً نقول هنا،  ان  هذا الموت ليس فقط  موتاً  لجسد متعب وانتقالاً للروح الإنسانية الى الخالق،  انما هو موت الضمير الغائب عن إستماع لأصوات الشعب، الذي لم يعد  صوتاً عابراً انما مناداة للحق بصوت جهوري مرتفع، أي صراخ ونحيب على بقايا دولة تلملم جراحها على أكتاف الشعب المثقلة بالهموم ،فلا حلول تلوح بالأفق بل الى مزيد من التصعيد ومن تأزم للأوضاع الإقتصادية والإجتماعية .

***

*Hibaa79@hotmail.com

اترك رد