لن يكون هذا اللقاء الأوّل والأخير بيننا، فالدرب طويلة، ونحن في مركب واحد، ننطلق به إلى ما وراء الإبداع، حيث نعلّم الأمم أنّ لنا حضارة لا تزول، على رغم الصعاب والمشقّات. فالبحار الهادرة لا تمنع سفينة من السفر، وإن كانت تأخّرت قليلاً، فالوقت يتّسع للانتصار.
وكلمة شكر للدكتورة ميرنا ريمون شويري لا تكفي. وكتابها الأكاديميّ يتحدّث عن نفسه، وبات مرجعاً للدارسين في الكتبات والجامعات، ليس عنّي كما يمكن أن يتصوّر البعض، إنّما عن الهضة الاغترابيّة الثانية التي هي المحور وفيصل النقاش. وقد جعلنا لها رافعة هي تعدّد الأنواع، في ظاهرة غير مسبوقة، لا في بلاد العرب، ولا في أيّ قارّة أخرى. وللتأكّد من هذه الظاهرة – التتعدّد، يمكن زيارة موقعنا www.jamildoaihi.com.au، لأنّنا لا نقول حرفاً أو نقوم بعمل من غير برهان يضيء ويشعّ. وهذا ما يميّزنا، ويطبع مشروعنا بالمصداقيّة. وقد كان مشروعنا حاضناً لأنواع الأدب المعروفة، ونشرناها يوماً بيوم لكي لا تكون تحت مكيال، أو في أكياس بالية لا تنفع لشيء.
وكانت الدكتورة ميرنا ريمون شويري في طليعة الذي قدّروا أتعابنا، وانضمّت إلى كوكبة من المخلصين والصادقين لأدبنا المهجريّ الرفيع: مريم رعيدي الدويهي (جميل الدويهي كوكب الإبداع ورائد تعدّد الأنواع)، كلود ناصيف حرب (جميل الدويهي والنهضة الاغترابيّة الثانية في الرواية)، د. جوزاف ياغي الجميّل (معبد الروح الأيقونة المقدّسة)، د. عماد يونس فغالي (لقاء أفكار بين د. عماد يونس فغالي ود. جميل الدويهي)، سليمان يوسف ابراهيم (أرجوحة النور – قراءات نقديّة في كتاب في معبد الروح لجميل الدويهي)، نبيل عودة (مقاربات نقديّة بين نبيل عودة وجميل الدويهي)، والعديد من الكتّاب والأدباء والأكاديميّين الذين شاركوا في جلسات حواريّة حول الكتب المختلفة، نثراً وشعراً وفكراً، الصادرة عن أفكار اغترابيّة.
ويكفي هذا المشروع فخراً أن يعتبره العديد من النقّاد المتخصّصين في مجالات النقد والأدب رائد النهضة، وعميد إبداعها، ومتمّماً لمسيرة النهضة الأولى في أميركا الشماليّة، وإن يكن يختلف عنها باختلاف العصر ونشوء مذاهب جديدة وأشكال في التعبير لم تكن موجودة من قبل. وفي هذا تقول د. ميرنا شويري: “الدويهي يختلف عن المهجريّين الأوائل، من حيث تعدّد الأنواع في أدبه، وهو يعتبر أنّ هذه العبارة “تعدّد الأنواع” هي أيقونة مشروعه. وعندما يتحدّث عن “النهضة الاغترابيّة الثانية” يرفد حديثة بـ”تعدّد الأنواع” لتمييزه عن غيره من الاتّجاهات والمذاهب، فهو يكتب ثمانية أنواع من النصّ الشعريّ، جمع سبعة منها في ديوان “أعمدة الشعر السبعة”، ويكتب القصّة القصيرة، والرواية، والفكر، والتأريخ، والدراسة الأكاديميّة، بالعربيّة والانكليزيّة، والمقالة السياسيّة بصفته إعلاميّاً… وهذا الخليط العجيب، يكفي وحده للإشارة إلى تفرّد وتمايز غير مسبوق”.
وتقول في مكان آخر، ملمّحة إلى المقارنة بين المدرستين المهجريّتين:
“كما أنّ تجربة هؤلاء (أدباء أميركا الشماليّة)غنية ومختلفة عن أدباء الوطن العربيّ كذلك تجربة الدويهي، الذي يبدو كأنه غمس روح قلمه بروح هؤلاء ليكتب الشعر والنثر والروايات والقصص القصيرة، إلاّ أن لقلمه- كما ذكرت سابقاً- ملامح خاصّة به. و هو في هذا يدخل في نخبة الأدباء الحقيقيّين، ومن ضمنهم أدباء المهجر الأوائل الذين تأثّروا بنيتشه وشكسبير، والكثير من المعلّمين الروحيّين. ولكن كانت لكلّ واحد منهم ملامح خاصّة لإبداعه. والدويهي المتشبّع ثقافة من الأدباء والفلاسفة والمفكّرين السابقين، يتقاطع قلمه مع الكثير من ملامح كتاباتهم. فقلمه يعكس إنسانيّته واشتياقه وخوفه على وطنه والقيم العليا فيه. كما أنّه واضح احترامه للقيم الغربيّة مع تجنّب ما لا يناسب ثقافة وطنه. كما أنّ هجانة ثقافته واضحة في كتاباته، وأيضاً في بساطة لغته، وابتعاده عن الحشو، ودأبه على التجديد في مواضيعه. ومن الجدير بالذكر أنّ الدويهي، من خلال تعريف نعيمة للأديب يستحقّ لقبه “أديب المهجر”، إذ تتميز لغته بالبساطة، وفي الوقت ذاته هي مشبعة بالبيان والرموز والعِبر الإنسانيّة، كما أنّ للفكر الدويهي عمقاً واضحاً ونظرة شاملة في الحياة، حتّى أنه رسم خطوطاً مختلفة عن السوبرمان الذي نجد أثره في كتابات أعمدة أدباء المهجر… بالاضافة إلى اهتمامه بالمهمّشين والمظلومين في وطنه الأمّ”.
ومع هذه اللمعات التي أفاضت بها الدكتورة ميرنا شويري، وأغدقت من فضلها على أدبنا، أشعر بالكبَر، لأنّ الصادقين والفاهمين للأدب الحقيقيّ يعبّرون عن تقديرهم له ولدوره في تطوير الإنسان والحضارة، فجزيل الشكر للدكتورة شويري، وبفضلها وفضل الكبار طرَق أفكار اغترابيّة أبواب الجامعات، وأصبح فكرة عالميّة، وقريباً إن شاء الله سنزفّ خبراً مفرحاً لأهل الأدب والثقافة… ومع كلمة إلى اللقاء نجدّد العهد بأنّ الموعد قريب، واللقاء إلى الأبد.