د. هبة المل أيوب
القتل الرحيم او ما يطلق بالإنجليزي Euthanisia يوثانيجيا ، فأساس الكلمة يوناني، ومنذ القديم الأزل ساد هذا المصطلح في مختلف الدول الغربية، الفرنسية والهولندية والأميركية وغيرها من الدول التي اعتمدت هذا النوع من القتل، شفقة على المريض الميؤوس من شفائه، او لوضع حد لآلامه التي لا علاج لها، كما يمكن اعتباره انه تسريع في موت المريض لتفادي كل الآلام واختزالها.
طبقاً لهذه السرديات فإنه تكوّن لدينا صورة عمّا يسمّى بالقتل الرحيم . اللافت هنا ان الطبيب الذي كان يداوي المريض، هو نفسه الذي يحقنه جرعة السّم، لكي يموت بسلام وبكرامة وفق معتقداتهم ، وعليه نتساءل: هل يمكن لليد التي تداوي هي نفسها اليد التي تقتل؟ وهل الموت الرحيم ، هو الخلاص للمريض من آلامه ، التي تصل تلك الآلام أحيانا الى فوق ما يمكن للإنسان تحملّه، فيأتي الموت الرحيم كخيار يتخذه المريض مع أفراد اسرته لإنهاء الوجع والألم، وأحيانا أخرى يتمّ اتخاذ القرار من قبل الأسرة فقط ذلك عندما يكون المريض في غيبوبة تامّة، وغير قادر على اتخاذ القرار.
في الواقع، ساد الموت الرحيم في المجتمعات الغربية، لكن قانونيا قد اعتبرته بعض الدول عملاً إجرامياً يعاقب عليه القانون، واهم هذه الدول نذكر فرنسا ، التي اعتبرت ان الطبيب هو ليس قاضياً ليصدر حكم الإعدام على المريض، انما لا بد من مداواة المريض حتى الرمق الأخير، بالمقابل حرّمته الدول العربية بإعتباره يتمحور حول قتل النفس البشرية وإزهاق الروح أي أنه أمر محرّم في جميع الأديان السماوية، لأن أمل الشفاء باق لآخر لحظة ، زد على ذلك ان الروح هي ملك الله وهو الذي يميتها ، أي مهما اشتدت آلام المريض فلا يمكن انهاء حياته مهما كانت الأسباب، فالموت هو مشيئة الله على الأرض ، لذلك لا يمكن رفع أجهزة الإنعاش الصناعية، او إعطاء جرعات من السم، فالموت المادي هو خيار الهي وليس خيار طبي .
هنا نتساءل، هل يمكن اعتبار اننا في لبنان، اصبحنا نحتاج الى القتل الرحيم؟ او بالأحرى الى رصاصة الرحمة لتبث فينا الوعي والإدراك لما يدور حولنا من احداث؟ ولتخلصنا من الحالة الاقتصادية الميؤوس منها التي لا أمل في الشفاء ؟ هل اليد التي تفرض السلطة والنظام الاجتماعي هي نفسها اليد التي تقضي على طموح وتطلعات المواطن اللبناني ورؤيتهم المستقبلية؟
في مقاربتنا للموضوع يتضح لنا مدى التلاعب لأركان السلطة بمصيرالشعب كما يتم التلاعب بمصير المريض وقتله شفقة ، فالشفقة هي التعبير الصحيح للوضع، فكما ان الطب رسالته على ان يحافظ على صحة الإنسان فنراه يخالف هذه الرسالة العظيمة ويقتل مريضه احياناً قتلا رحمانياً ، فإن السياسيون ايضاً يقتلون شعبهم قتلاً رحيما بالرغم من رسالتهم التي تقتضي معالجة الوضع الاجتماعي والإقتصادي ونشر الأمان والسلم الاجتماعي .
يبدو ان الآلام التي يعاني منها الشعب وصلت الى حدّ يفوق قدرة الكائن الحيّ على التحمّل ، أي باتت نتنج آثاراً إجتماعية تصيب نواة المجتمع أي الأسرة، فبات ربّ الأسرة يائساً من واقعه ومن معيشته ، فهو شهيد التطورات التي تجري امامه، وعاجزعن فعل أي شيء ، فثمّة قوى خفية تتحكم بالبلد ولا احد يستطيع ان يجد الطريقة السليمة لحلّها أو الخروج منها ، فأمام أزمة الدولار وتتالي الأزمات الاقتصادية، فإن الشعب بات يحتاج الى رصاصة الرحمة، رصاصة تصيبهم في الصميم لترحمهم ولتريحهم من العذاب، ولتختزلهم عن الساحة اللبنانية التي لا يقف وسطها سوى الأبطال ، الأبطال الذين كتبوا تاريخ لبنان بدمائهم السخيّة ، الأبطال الشرفاء الذين لم يسكتوا عن الحق، بل كانت أصواتهم دليل نجاحهم ونصرهم على الظلم الذي انتشر في أروقة البلد.
أخيرا نقول ان قضية القتل الرحيم هي قضية ازلية وقضية قديمة، يكثر الجدال حولها ، منهم من يبيح ذلك رحمة لإنهاء الألم والموت بكرامة ، ومنهم من يعارض ، ويعتبره خلافاً لمشيئة الخالق وعملا اجرامياً بإمتياز، وبين هذا وذاك يبقى ان الألم الذي يرافق الشعب اللبناني اليوم، بسبب تقصير للمنظومة الحاكمة المستأثرة بالحكم والتي تمسك زمام الأمور وبيدها الحلول، لكن غياب المسؤولية الاجتماعية من قبلها هي السائدة إضافة الى الجشع واللامبالاة والتجاهل للمشاكل الاجتماعية.