“طرابلس في عيون أبنائها والجوار” في مركز الصفدي-طرابلس

 

 

أطلق مركز الصفدي الثقافي، كتاب ” طرابلس في عيون أبنائها والجوار”، بدعوة من “دار جروس برس ناشرون”، بحضور فاعليات اجتماعية واقتصادية ونقابات مهنية، شخصيات سياسية ومراجع دينية وروحية، هيئات وجمعيات أهلية ومدنية من مختلف المناطق.

وتضمنت الاحتفالية برنامجا متكاملا، بدايته كانت مع النشيد الوطني وكلمة الافتتاح للدكتور جان توما تلتها كلامة مديرة مركز الصفدي الثقافي الدكتورة نادين العلي عمران، أشارت فيها الى أن “طرابلس في عيون أبنائها والجوار” هو بحق كتاب طرابلس، طرابلس كما عاشها وخبرها بعض أبنائها وأبناء الجوار. فقد عاشوها فعل إيمان حقيقيا، فجاءوا يشهدون لها، وأعظم الشهادات ما كان لزمن هذه المدينة الجميل”.

وأضافت: “لقد كان لهذا الكتاب الجامع، الذي نحتفي به، أن ينصف هذه المدينة، ويشهد شهادة حق، بأقلام كتاب ومثقفين، أخلصوا الود للفيحاء، موجهين صفعة للإعلام الأصفر، ولكل أفاك أثيم، طرابلس تعلن على الملأ بأنها تقوى بجوارها، وجوارها بها يقوى. وكما العين، التي لا تبصر إلا إذا أتاها الضوء من خارج، هكذا فإن طرابلس لا تجد  نفسها، ولا تتلمس طريقها إلا إذا تماهى داخلها مع خارجها”.

درباس

ومن ثم عقدت ندوة حول الكتاب أدارها الدكتور توما، وبدايتها كانت مع كلمة الوزير السابق النقيب رشيد درباس توجه فيها بالقول: “أستأذنكم بأن أتلو عليكم بعض ما تتلوه علي طرابلس في الصحو والحلم من عتب وغضب، قائلة: لقد حميتكم من الرياح والرطوبة وعواصف الرمال، بحزام أخضر استغرقت في حياكته، تعبا ووقتا وصبرا، فمزقتموه كما يفعل المشتهي المستجيب لنزق اللحظة على حساب الزمان المتمادي. لقد كنت موئلا لكم وللمحيط، وبنيت لكم تجاور المنصوري وشارع الكنائس، فجاء من يحاول أن يجردني من سماحتي وتسامحي بإذكاء الفتن والتنابذ والتعصب. علمتكم فلم تحفظوا معالمي وتغاضيتم عن بيع مدارسي في سوق النخاسة العقارية فاستباحتني القوى الغاشمة وريفوني بعد أن جرفوا الريف، فاكتفيتم بالتحسر والعجز، أورثتكم الموارد فجففتموها، ودمرتم المصفاة، وأيبستم المنبع والمصب، شيدت لكم معرضا فما استعرضه إلا الإهمال”.

وخلص درباس إلى الدعوة “لإستغلال الفرص لأوسع حملة إعلامية وفنية للاستثمار المجدي في هذا الحدث الفريد”.

درويش

واعتبرت الدكتورة زهيدة درويش جبور أن الكتاب “جاء ليحافظ على ذاكرة مدينة تكاد تفقد هويتها وليمسح عن وجهها الأصيل الغبار الذي خلفته على مدى عقود سياسات القائمين عليها والمتلاعبين بمصيرها، كما الجاحدين والمتخاذلين من أهلها. تطل طرابلس من المرآة بكامل بهائها مرسومة بعيون أهلها والجوار، ملونة بذكرياتهم ومشاعرهم وما علق في خيالاتهم من مشاهد وصور للحياة اليومية، وتطل معها وجوه وقامات كتبت تاريخها الفكري والثقافي المضيء، فينبض الزمن المستعاد بالحياة ويخترق الماضي الحاضر ليبدد عتمته ويعيد لنا الأمل بأن مدينتنا لا تزال قابلة للحياة، بل أكثر من ذلك، ليقول لنا إن قيامتها ضمانة لقيامة الوطن الذي يستمد علة وجوده وخصوصيته من كونه واحة للتنوع والعيش الواحد”.

يمين

أما الأستاذ محسن يمين فقد لفت في كلمته الى أن طرابلس “بوصفها أول مدينة عرفناها فهي حاضرة في وجداننا. وقد نهلنا العلم في مدارسها، وجبنا أسواقها، ومشينا في شوارعها، وتسوقنا من محالها، وجلسنا في مقاهيها، وأكلنا في مطاعمها، وتذوقنا حلوياتها، وإرتدنا صالاتها السينمائية، ومنتدياتها الثقافية، ومسارحها. وهي التي علمتنا جميعا غواية التسكع، والذوبان، بعضا من نهاراتنا، في قلب الإزدحام على أرصفتها، وغذت فينا أسباب الفضول، وقادتنا إلى التفاعل الخلاق مع من نبادلهم التحية دون معرفة، لسريان الألفة مع وجودهم، دون الحاجة إلى الأسماء”.

وختم يمين: “لكل هذه الأسباب، ولسواها كثير، نشعر بالإنتماء العاطفي إلى طرابلس، كجزء من إنتمائنا إلى الحلم اللبناني المتعثر، لحد الآن، لجهة إنصهار مختلف مكوناته في بوتقة وطنية واحدة، وجامعة. فقد نشأنا ونحن نهجس بهذا الحلم، ونبني وعينا الوطني على قاعدة شروطه، وموجباته. فيما لو قدر له التحقق، ومجابهة الأعاصير، بمختلف مصادرها، القريبة إلى حد إتيانها من الداخل، والبعيدة إلى حد وصولها من أقصى أقاصي الأرض، وإلى أن يتحقق ذلك ستظل طرابلس، بما توقظه في نفوسنا، في مطارح الطيب، ما دام على الأرض طيب”.

الخوري طوق

ورأى أنطوان الخوري طوق بدوره أن “الكتاب جميل يؤرخ لزمن المدينة الجميل في هذا الزمن اللبناني الكئيب والمتشح بالعتمة والسواد وسفر أدبي جميل يحتضن بين دفتيه شهادات هي قطع وجدانية عاطفية صادقة بعيدا عن التكلف والمبالغات الفجة. وما أنجزه الأستاذ ناصر جروس ودار جروس برس ناشرون هو قيمة مضافة ويعتبر تجربة رائدة في التأريخ للمدن اللبنانية بعد الحروب المتنقلة، وبعد أن تم القطع عن سابق تصور وتصميم بين اللبنانيين وبين ذاكرتهم، ذاكرة العيش معا، ذاكرة التنوع والتعدد وحق وحرية الإختلاف وقبول المختلف وبعد أن عمل أطراف الداخل والخارج على التعتيم على كل مضيء موحد، فلم يعد يطفو على السطح إلا كل ما يباعد ويفرق ويظهر استحالة العيش معا”.

جروس

وأشار جروس في كلمته الى أن “المدينة قد تعرضت لحملات مغرضة بغية عزلها عن أرجاء الوطن كافة، فتحاشى أهلنا المجيء إليها، وأهمل الاستثمار فيها، ولم تعط الفرصة لأبنائها ليساهموا في تطويره، فتتالت الأحداث العامة الجسام لتكشف الحقيقة وإبعاد الظلم عنها، ولإظهارها على حقيقتها، فبينت أنها مدينة مغلوبة على أمرها، وكشفت التشويه الذي لحق بسمعتها، وأظهرت كم كانت بشعة خطط المتآمرين عليها، وتوضح للقاصي والداني، وفي أشد الظروف حرجا، كم كان أهلها مجبولين بالطيبة، وكم كانوا على سجاياهم في التعاطي مع كل الناس، وطنيين، منفتحين، عفويين في تعاملهم مع القريب والغريب، بأياديهم الممدودة للتسامح والسلام، وقلوبهم المرحبة بالكرم النابع من القلوب، والبشاشة المطبوعة، بلا تكلف، على الوجوه، واللمعات المنبعثة من العيون الصافية صفاء ثلوج المكمل والأربعين”.

ولفت الى أن “من هذه الانطباعات التي ولدها واجب الوفاء، وتلاوين الحب، انطلقت فكرة الكتاب، التي ترتكز على سلسلة من الأسئلة المحورية: لماذا لا نوثق للتاريخ، أولا ولأولادنا وأحفادنا، ثانيا، حقيقة هذه المدينة الصابرة من داخلها، ومن علاقاتها بجوارها، وعلاقات الجوار بها؟ لماذا لا نوثق للعالم أهمية طرابلس على المستويات كافة، من الجغرافيا إلى التاريخ والاقتصاد، وصولا إلى العلاقات والتفاعلات المجتمعية، في قالب ثقافي جامع يظهر وحدة الاشتراك في الحياة، لتكون نموذجا من الممكن السهل أن يعمم على كل لبنان ليكون مجتمعا واحدا حكومة وشعبا ومؤسسات، وبالتساوي والعدالة بين مختلف مكوناته؟”.

وختم جروس كلمته متوجها بشكره لكل من ساهم في إنجاح هذا الإصدار والشكر الموصول لمركز الصفدي الثقافي الذي إستضاف هذه الفعالية لطرابلس وجوارها.

اترك رد