طاغور والحلُم بمدينة إنسانيّة فاضلة

 

لعل أهم ما يميّز شعر طاغور هو نزعته الإيمانية مع جوهر التصوّر الإسلامي، وهذه اللّمسة نجدها في شعر غوته وبوشكين. ففي كل عام تحتفل الهند بشاعرها العظيم، كما يحتفل كل العالم الإنساني بميلاد طاغور. فكانت كل أشعار طاغور تدور حول فلسفة الحب والجمال بمعناه السامي. فالحب عند طاغور حلّ لكل المشاكل الإنسانية، وهو بداية المعرفة.

وتمتاز أشعار طاغور كذلك بحُلُمه بمدينة إنسانية فاضلة انطلاقاً من إيمانه العميق بالمحبة الإنسانية. والحب بمعناه الصوفي عند طاغور إلهي وإنساني. فقد اهتدى إلى عقيدة التوحيد. واكتشف ربّه في الجمال والطبيعة والفكر والجسد. لذلك كرّس كل حياته لخدمة الإنسان وإرضاء الله. فأشعاره رسالة مفعمة بالمحبّة النابعة من صفاء الروح قوامها محبة الخالق ومحبة الناس.  فكان بحقّ داعية إنسانية.

هكذا كان طاغور (1861-1941) من أعلام الأدب العالمي، عُرف شاعراً وروائياً وكاتباً وفيلسوفاً. جمع بين ثقافة الهند والشرق وجعل العالم وطناً واحداً توحّده الروح الإنسانية. فكان من ألمع الشعراء الذين حملوا رسالة السلام العالمي.

وكتب طاغور إلى جانب الشعر القصة والمسرحية، وكان مولعاً بالموسيقى والرسم. ففي الشعر كتب أكثر من ألف قصيدة، وألفي أغنية. وأنشأ في الهند “مرفأ السلام” لتكون موطناً لكل الثقافات. وقد مُنح طاغور جائزة نوبل للآداب في 1914. وهو أول شاعرٍ شرقي يفوز بهذه الجائزة التي وهب قيمتها المالية لمدرسته “مرفأ السلام”.

ووقف طاغور ضد الاستعمار والتوسّع الإمبريالي وما خلّفته الحرب العالمية الثانية من خراب. فانتقد الحضارة الغربية ومبادئها المادية التي تمارس العنف، لكنه لم يكن معادياً للثقافة الغربية. فدعا إلى الفلسفة الأبانشادية التي تنطلق من مفهوم التسامح والإخاء العالمي بدل الاستعباد المغلّف بغطاء التمدين. دعا طاغور إلى الاهتمام بالحياة الروحية وإلى الكمال الإنساني. فتغنّت أشعاره بالسلام والأمل الحامل للمعاني الروحية بمسحة صوفية. رفض العنف الذي يؤدي إلى الحروب وخراب الإنسانية وتدمير البشرية. وكان يرى أن العلم والتكنولوجيا بقدر ما ساهم في تعزيز الجانب المادي الرّبحي بقدر ما عمل على سحق الجانب الروحي للإنسان. لذلك دعا للصداقة الكونية بدل السيطرة الاقتصادية والعسكرية، لأن الحضارة حسب طاغور اكتشاف للفن وللإنسانية حيث يجد الإنسان مكانه في المطلق واللآنهائي ليلمس الإدراك الحقيقي لمعنى الحياة. لذلك نادى بالأخوة العالمية لمقاومة الحضارة المادية الحديثة. هكذا تجسّدت في أشعار طاغور مضامين إيمانية تتجاوب في روحانيتها وشموليتها ونظرتها إلى الخالق مع الرؤية الإسلامية والرؤية الإنسانية الكونية. يقول في قصيدة “أغنية” والتي هي أغنية الحرّية والتسامح والسلام:

لقد عَرَّفْتَني بأصدقاء/ لم أكن أعرفهم/ وأجلستني في منازل/ ليست منازلي/ وقرّبت لي البعيد/ و جعلت من الغريب/ أخاً لي/ و في أعماق قلبي أشعر بالضيق/ حين أتخلى عن ملاذي المألوف/ و أنسى أن المأوى القديم هو في الجديد/ حيث تُقيم أنت نفسك/ عبْر الميلاد و الموت/ في هذا العالم أو غيره/ و في أي مكانٍ تقودني إليه/ فإنك وحدك رفيق حياتي التي لا حدّ لها/ توحّد بروابط البهجة/ بين قلبي/ و بين الأشياء غير/ المألوفة/ حين يعرفُكَ المرء/ فلا أحد يبدو له غريباً/ و لا باب يُغلق في وجهه/ آه/ استجب دعائي/ في أن لا أفقد ملاطفة/ (الواحد) في لعبة الجميع.

 

اترك رد