أَنا مَدِيْنٌ بِفِكرَةِ هذه المَقطُوعَةِ لِخاطِرَةٍ رائِعَةٍ وَرَدَت في كِتابِ
«الخُطَب والرَّسائِل»، في بابِ «رَفَّة جَناح»، لِلأَدِيبِ الكَبِيرِ سَعِيد تَقِيّ الدِّين.
يَومَ بَدَأنا، كانَت الأَحلامُ تَغمُرُ قَلبَكِ، والمُنَى تُزهِرُ في أَهدابِك؛ وكان الحُبُّ يَهصِرُنِي، ويَملَأُ أَيَّامِي، ولَيالِيّ…
وأَوغَلتِ في العُذُوبَةِ، والانقِيادِ؛ وتَهالَكتُ في جَشَعِي، فَما أَخجَلَنِي سَخاؤُكِ، وما قَصَرتِ يَومًا عَلَيَّ العَطاء…
ولمَّا أَتخَمَنِي كَرَمُكِ الدَّافِقُ، وارتَوَيتُ مِن بِئْرِكِ السَّلسَبِيلِ، وحَنانِكِ الَّذِي لا يَنْضُبُ، تَناسَيتُ لَيالِيَنا المِلاحَ، وأَدَرتُ ظَهرِيَ لِلكَرْمِ الَّذِي أَسكَرَتنِي جَفَناتُهُ، وتَرَكتُكِ لِمِخْلَبِ القَدَرِ، غَزَّارَةً شَلَّعَتها الرِّياح…
وسَقَطتِ بِكِبْرٍ، زَهرَةً نَدِيَّةً قُصِفَت عن الأُملُودِ، واستَوَيتُ، بِمَباذِلِي، كاسِفًا، كَسِيرًا، مَهِيضَ الرُّوْح…
وهانِي خَبَرتُ الأَيَّامَ، فَهالَنِي جُحُودِي، وأَشجانِيَ الكَنزُ الَّذِي تَرَكْت. وعَضَّنِي جُوْعٌ إِلى حَنِينِكِ، وأَلهَبَنِي شَوقٌ إِلى هَدْأَةِ مِحرابِك…
وأَتَيتُ مَعبَدَنا، والدَّربُ أَشباحٌ، وفي خَطَواتِي وَجَلُ السَّارِقِ، وقِبْلَتِي ماضٍ دَفِيءٌ يُناغِي…
فَهَدَّتْنِي وَحشَةٌ صَعَقَتنِي، ولَفَحَتنِي رِيحٌ مُوَلوِلَةٌ في الأرْوِقَةِ البارِدَةِ، الكَئِيبَة…
ودَمَعْتُ على نَفسِي، ومِنْ صَغارَتِي…
ورَأَيتُكِ، في جُلَّنارِ الأُفُقِ، وفي أَلَقِ البَهاءِ، نَجمَةً عَصِيَّةَ المَنال…
نَعَمْ…
لقد كُنتُ الجَلَّادَ، وكُنتِ الضَّحِيَّة…
واليَومَ، أَنا الضَّحِيَّةُ، فَهَلَّا يَعْفُ ياسَمِينُكِ المَجرُوحُ فَلا يَعْضُدِ الجَلَّاد؟!