د.هبة المل أيوب
منذ الحرب الأهلية، ولبنان يتمتع بتركيبة اجتماعية ذات ثلاث طبقات ، طبقة غنية وطبقة متوسطة وطبقة فقيرة، استمرّ كذلك الى حين، تداعت الأزمات والويلات على أراضيه، أبرزها: تفشي وباء كورونا ، وانفجار مرفأ بيروت، وانهيار قيمة الليرة اللبنانية امام الدولار ، كل ذلك وقع في أواخر العام 2019 ، أي اللافت ان هذه الأزمات أحدثت تلاشيا للطبقة الوسطى نتيجة التسريح للعمال والموظفين، وتزايد نسبة البطالة، حيث تم على أثرها دمج الطبقة الوسطى بطبقة الفقراء، وتحول طبقة الفقراء الى الفقر المدقع والشديد .
وهذا ما نراه من خلال ازدياد طبقة الأغنياء غناءً، وهذه التحولات جرت دون سابق إنذار فالموظف الذي كان راتبه يوازي ال 1000 دولار، بات لا يعادل سوى 30 دولار ، هنا وجب التساؤل كيف كان وقع هذه التحولات على الشعب ؟ وما هي النتائج للأزمة على مستقبل هذا الشعب؟
أحدث هذا الإنخفاض في قيمة الأجور،العديد من المشاكل الاجتماعية، إذ ان المستوى المعيشي لم يعد يكفي لتأمين خدمات الرعاية الصحية ، أو ما يسمى ضمان الصحة والرفاه للأسرة اللبنانية ، ، اضف الى ذلك انهيار مؤسسات الدولة وحجز أموال الناس في المصارف اللبنانية و فشل الدولة في السياسات التنموية وخلق فرص عمل ، لا ننسى ايضاً الإنعدام الكامل للأمن الغذائي حيث العجز عن تأمين المواد الغذائية الآخدة في الإرتفاع، فمعظم هذه المشاكل ارتبطت بمدى قدرة الدولة على تأمين الظروف الاجتماعية والإقتصادية المؤاتية والموافقة لاستمرار العيش بكرامة .
من البديهي التساؤل الكبير أين تكمن المشكلة في الرعية أم في الراعي؟ أي المشكلة في الدولة ؟ ام في الشعب أنفسهم؟
يبدو ان الشعب اعطى ثقته كاملة للطبقة الحاكمة ولم يحاسب، لا وبل ساهم في وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب، أي ان الشعب صنع واقعه بيده، بالتالي لم يعمل جاهداً للأحداث المتتالية، وما تفجير المرفأ إلا المحصّلة للفساد الذي نعيشه، فالشعب لم يكن حذرا وحسب. بل انما كان غافلاً عما يتم الإعداد له من مكائد توقعه نتيجة تغافله ونتيجة تسليمه زمام الأمور لهذه الطبقة الحاكمة التي يتنافى عنها أي صفة حميدة بسبب ما أوصلت البلد الى ما هي عليه الآن ، بلد غارق في الديون وفقر مستشري في أروقته، والشعب لا حيلة له سوى الإنهيار واللجوء الى الهجرة الغير شرعية عبر مراكب الموت بسبب انعدام سبل العيش الكريم وغيرها .
كيف يمكن للعقل البشري، ان يتغافل كل هذه السنوات عن حكام مفسدين في الحكم، لا يقيمون اي اعتبار لإنسانية الإنسان، ولا يخافون من الأعمال السيئة التي يقترفونها في حق الشعب، حكام فاقدين القدرة على محاسبة النفس، قبل ان يحاسبهم شعبهم، حكام فاقدين للشعور الإنساني امام الموت البطيء للشعب الذي بات يشغلهم ضغط العبء المالي، حكام يشغلهم تراكم أموالهم غير النظيفة، من يحاسب من، هذا هو السؤال ،الشعب الذي ساعدهم للوصول الى كراسيهم ومواقعهم التي هم عليها.؟
في الواقع بات المواطن اللبناني، امام حاضر مستجد بكل آلياته ،وبات محكوما عليه معايشة مشاكل اجتماعية لم يكن يتحسّبها، لذا عليه أن يختار مستقبله، ويختار بأن يضع خطط بناءة وفاعلة، أي ان يواجه الفقر المدقع، والبطالة، وخطر المشاكل الاجتماعية والإقتصادية ، ونتساءل ما الحل؟
يكمن الحلّ في عدم التسليم لما آلت اليه الأمور، انما الوقوف في وجه هذه الطبقة الحاكمة ومحاسبتها لأن على الدولة ان تقدم الخدمات الصحية والإقتصادية والإجتماعية، للشعب بما يتناسب مع مستوى معيشي لائق، فكرامة الإنسان وأمنه وخوفه من اليوم الآتي، وقدرته على تأمين قوت يومه، وحاجاته الصحية كلّه مرهون بالتحولات التي احدثتها الأزمات المتتالية على بلادنا الذي بتنا نخاف فيه المستقبل القريب .