أنين “ناي” جلال الدين الرومي

 

 

إن قصيدة “الناي” لجلال الدين الرومي من أجمل القصائد الإنسانية التي تُرجمت إلى لغات عديدة. إنها عودة الإنسان إلى أصله الإلهي. فهي نفخة روح رب العالمين بتعبير الرومي. فهي عودة إلى الله وإلى الجلال والكمال، أي العودة إلى جوهر الإنسان الكامن في العشق الإلهي. فالناي هو الإنسان الذي يسعى ويحنّ إلى أصله الإلهي. وأنغامه حالات إنسانية تعاني ألم الاشتياق. وفي ذلك أيضاً إشارة ضمنية إلى شيخه شمس الدين التبريزي الذي هو أهم شخصية روحية في مسيرة الرومي. فما سرّ أنين الناي وشكواه في مثنوي جلال الدين الرومي

يشكو الناي لوعة الفراق منذ أن انفصل عن جذعه. فحزن حزنا شديدا، وظلّ نائحاً يعاني ألَم الشوق. سرٌّ دفينٌ يحمله ناي جلال الدين الرومي الذي تأجّجت في ثناياه نار العشق، فكشفت أنغامه عن الباطل وظلّ رفيق المشتاقين يروي أحاديث عشق المجنون لمن يتبصّر ويدرك عذب الحديث.

وقد تجلّت ثقافة جلال الدين الرومي الموسوعية في المثنوي، وما يميّزه هو الطابع الصوفي المولوي المتفرد بتعبيراته المولوية المستحدثة لمن يدرك معانيها. فمعظم أشعاره تتناول في جانب كبير منها مسألة الإنسان ووجوده في هذا الكون. وفيها دعوة للإنسان في تحقيق الكمال.

وقصيدة “الناي” من أجمل قصائد جلال الدين الرومي. فرمز الناي رمز شعري تردّد كثيراً في الشعر العربي والعالمي. ونجده بكثرة عند طاغور الهندي وعند جبران خليل جبران. فالناي بأنينه وسكره وصلاته وموسيقاه التي تنساب من الحب الإنساني لتثير السّكينة والبهجة في النفس. وقد استوحى الرومي هذه القصيدة من الأساطير القديمة ومزجها بتجربته الشخصية. يقول فيها:

استمع إلى هذا الناي يأخذ في الشكاية، ومن الفرقات يمضي في الحكاية.

منذ أن كان من الغاب إقتلاعي، ضج الرجال والنساء في صوت إلتياعي.

أبتغي صدرا يمزقه الفراق، كي أبث شرح آلام الاشتياق.

كل من يبقى بعيدا عن أصوله، لا يزال يروم أيام وصاله.

نائحا صرت على كل شهود، وقرينا للشقي وللسعيد.

… إن العشق يريد أن يصدر مني هذا الشعر، وإن لم تكن المرآة منبئة فماذا تكون؟

أتدري لماذا لا تنبئ مرآتك؟ ذلك لأن الصدأ لم يجُل عن وجهها.

في مثنوي جلال الدين الرومي مزيجٌ من الشعر الفلسفي الروحي ومن الشعر التربوي، الذي ينشد العشق الإلهي. وغالباً ما تختلط الفلسفة والحكمة والرؤية الجمالية العاشقة. إنها دعوة لوصول الإنسان إلى مقام المحبة. فالعلاقة بين الإنسان وربه قائمة على هذه الصفة وعبرها يتحقّق الوصال.

لذلك ندرك لماذا ظلت قراءة مثنوي جلال الدين الرومي ساريّة في الأجيال اللاحقة. وقد كُتِب على قبره:

لا تبحث عن ضريحنا في الأرض بعد وفاتنا

فضريحــــــــــــــنا قلـــــــــــــــــــــــــوب العارفيــــــــــــــــــــــن

اترك رد