افتتح رئيس الحكومة نحيب ميقاتي “معرض بيروت العربي الدولي للكتاب” في بيروت بالوقوف دقيقة صمت على روح الراحل سميح البابا، أحد مؤسسي معرض الكتاب الذي فارق الحياة منذ أيام.
وألقى ميقاتي كلمة قال فيها: “أربعة وستون عاما ومعرض الكتاب شاب لا يشيب، مثله مثل بيروت، المدينة التي احتضنت هذا المعرض ورعته سنويا ليس كمناسبة للاطلاع فقط على أحدث المصنفات والإصدارات في الآداب والعلوم والفنون، بل كرسته مساحة تفاعل وإثراء معرفي”، مشيرا إلى أن “بين جنبات هذا المعرض تلتقي الأفكار، وتتعدد الآراء، ويحاضر أبرز الأدباء والروائيين والمفكرين، بحيث بات مقصد كل طالب علم ومعرفة وثقافة، وكل متعطش لهذا النوع من المنابر الثقافية”.
ورأى أن “هذا المعرض يروي ظمأ الجمهور الباحث عن فسحة ضوء، وعن مساحة تلاقٍ حضارية طالما تميزت بها أم الدنيا، باحتضانها للكتاب، بدور نشرها المتنوعة، بمساحة الحرية المتاحة لأفكار كتابها ومثقفيها، بحيث باتت مقصدا لأهل الفكر من كل البلدان”.
وأضاف:”مما لا شك فيه، أن وسائل الاتصال الحديثة باتت في يومنا هذا، أداة للحصول على المعرفة بحيث يسهل على واحدنا أن يحصل عليها بكبسة زر، وهذا التطور التكنولوجي في وسائل الاتصال صار من بديهيات الأشياء، بل من ضروريات الحياة المعاصرة، لكن من قال أن طلب المعرفة عن طريق الإنترنت او غيره من وسائل الاتصال، يغني عن الكتاب أو يحل محله؟ بدليل أن اللبنانيين من مختلف المناطق، كما من الدول العربية، ينتظرون موعد افتتاح معرض بيروت العربي الدولي للكتاب سنويا ليحصل فيه هذا اللقاء الدافىء والمباشر بين القارىء والكتاب، بين القارىء والكاتب في أحيان كثيرة أيضا”.
وشدد على أن “ميزة هذه المساحة الفكرية في هذا التواصل المباشر والتفاعل الجميل والثري بينهما، أكان في احتفالات التوقيع على أحدث ما أنتجه المبدعون من كل صنف ولون، أو عبر الندوات التي يحاضر فيها كبار الأدباء والمفكرين والمثقفين”.
وختم بتوجيه التحية للنادي الثقافي العربي ولنقابة اتحاد الناشرين على الجهد المبذول لإقامة هذه الاحتفالية السنوية بالكتاب، آملا أن يظل معرض بيروت العربي الدولي للكتاب “معلما ثقافيا مضيئا نحتاجه اليوم، في هذا الزمن الصعب، أكثر من أي وقت مضى”.
استهل حفل الإفتتاح بالنشيد الوطني ثم قدم الحفل عضو الهيئة الإدارية للنادي الثقافي العربي الأستاذ علي بيضون الذي رحب بالحضور وقال: “من بيروت أم الحضارات والشرائع، من بيروت منارة الكلمة الحرة وحديقة الفكر والشعر والأدب والفن والجمال، من بيروت التي كانت وما زالت وفية للكتاب، يكبر الحلم معرضا عربيا للكتاب، يتسع ولا يضيق، يمضي إلى الأمام ولا يعود للوراء، عيد للكتاب بكل ما تعنيه الكلمة”.
السنيورة بعاصيري
ثم ألقت رئيسة النادي الثقافي العربي السيدة سلوى السنيورة بعاصيري كلمة النادي أكدت فيها أن “معرض الكتاب مناسبة ما زال يستدعيها التصميم الثابت والاكيد على استنهاض الذات، ناهيك عن إرادة الإستمرار في التصدي لشتى صنوف الانسداد والإنقسام لتشكل هذه المناسبة فضاء رحبا يتجاوز فيه الرأي والرأي المعاكس ليتضافر معا في حياكة النسيج العام للثقافة، ليكتشفا مساحات تلاق فكري خلاق يفعّل حيوية الاختلاف ويرسي قاعدة معرفية مستنيرة لاستشراف الآفاق”.
وتابعت: “يتضمن البرنامج الثقافي المرافق للمعرض مجموعة عناوين ترتبط ببعض قضايانا وانهماكاتنا التي تستدعي يقظة فكرية متجددة وتصميما على العمل الجدي العميق والمنسق، وكم جميل أن تجتمع العقول في فناء واحد لاعمال العقل لا الغرائز في مقاربة تلك القضايا وعناوينها المتنوعة في سعي لتشريحها واستنباط رؤى خلاقة بشأنها”.
وأشارت إلى أن “معرض بيروت العربي الدولي للكتاب يؤكد أن في كل مناحيه أن للمثقف المستنير دورا بارزا في صوغ مصيرالوطن، وان العلم والفكر هما الشعلة المضيئة التي من شأنها إزالة السواد المقيت الذي يعيق جلاء الرؤية ويعطل المخيلة المبدعة”.
وإستذكرت الراحل سميح البابا قائلة: “كم هو مؤثر في المقابل أن نستشعرالفراغ الكبير الذي تركه رحيل الزميل المغفور له سميح البابا، الرئيس الأسبق للنادي الثقافي العربي والمدير العام لمعرض بيروت العربي الدولي للكتاب، وإني لأزعم أن روحه حاضرة بيننا الآن ترفرف مطمئنة إلى أن معرض الكتاب الذي أحب وبذل من أجل تميزه كل جهد وعطاء سيبقى الحدث الثقافي والمعرفي في لبنان، سيبقى مخلدا لجهود قافلة من الرواد الذين آمنوا برسالة النادي الثقافي العربي وتجلياتها على مدى عقود عبر فعاليات معرض بيروت العربي الدولي للكتاب، وكم يسعد اللجنة المنظمة للمعرض أن تهدي الدورة الرابعة والستين هذه لروح سميح البابا وطيب ذكراه”.
وختمت بتوجيه الشكر لصاحب الرعاية الرئيس ميقاتي ولدور النشر والكتاب والمفكرين والمبدعين ورواد المعرض الذين يحرصون على دور بيروت في العمل النهضوي الثقافي كما توجهت بالشكر للشيخ محمد القاسمي على دعمه للمعرض.
عاصي
وألقت رئيسة نقابة اتحاد الناشرين في لبنان السيدة سميرة عاصي كلمة النقابة وقالت: “بيروت عاصمة الإبداع ودور النشر، والتي يرتقي ارثها الثقافي إلى العقود الأولى الكلمة المطبوعة، ومشهود لها بدور ثقافي رائد في الوطن العربي، بيروت أم الحضارات وملتقى الثقافات. كانت عاصمة الثقافة وستبقى بفضل الناشرين الذين يخوضون معترك الكتاب فيقدمون الأجود، ويسهرون مع أهل المعرفة والعلم ليجددوا ويبذلوا في زمن شهد فيه الكتاب زحمة شديدة مع وسائط الاتصال والتكنولوجيا الحديثة”.
وأشارت إلى أن “الكتاب جوهرة العقل لا غنى عنه، ولا بديل منه، الكتاب الورقي أداة كلاسيكية لإنتاج المعرفة وتناول الحر للأفكار، ورغم النبوءات التي تعلن موته، الكتاب الورقي باق”.
وشددت على ان “حالة الكتاب اليوم كحال الأمة، قلق واضطراب، ولولا إيمان الناشرين بأنهم يؤدون خدمة لمجتمعهم ولأمتهم ،أمة (إقرأ)، لما كان هذا الكم الغفير من إصدارات جديدة تزين المعرض، وسوف تلمسون ذلك خلال تجولكم في أرجائه”.
وطالبت رئيس الحكومة بأن “تكون الثقافة، التي هي الكتاب، هما يوميا”. كما طالبت الحكومات وجامعة الدول العربية ووزارت الثقافة والتربية والتعليم والإعلام في كل قطر عربي الإسهام في عون الناشرين ودعم الكتاب، لا أن تفرض عليهم دول غنية رسوم اشتراك الأجنحة في معارضها، يتكبدونها إلى جانب الهم المعيشي ومصاريف الشحن وتذاكر السفر والإقامة!.
وتوجهت بالشكر لدولة الكويت على موقفها النبيل في معرضها المنعقد أخيرا، والمتمثل في إعفاء الناشرين من رسوم المشاركة في المعرض، كما شكرت كل من دولة قطر والمملكة العربية السعودية على التسهيلات والدعم الذي يقدمونه لدور النشراللبنانية من أجل المشاركة في المعارض العربية وشراء الكتاب اللبناني والإعفاء من رسوم الإشتراك.
وختمت بتوجيه “التعزية بخسارة أحد الذين ساهموا في إعلاء شأن معرض الكتاب وكان واحدا من أهم أركانه، الراحل سميح البابا، له الرحمة”.
جوائز الكتب الأفضل
وقبيل قص شريط الإفتتاح، تم توزيع جوائز الكتب الأفضل إنتاجا والتي جاءت كالتالي: جائزة أفضل إصدار _تصميما وإخراجا وطباعة لفئة الكبار بعنوان: “التراث الماثور “تأليف د. محمد مصطفى منصور، عن دار الانتشار العربي، جائزة أفضل إصدار تصميماً وإخراجا وطباعة للفئة الناشئة، توزعت على ثلاثة كتب الأول بعنوان:”الحروف العربية”، تأليف دار عالم الأفكار، عن دار ابداع الدراسات، الثاني بعنوان “منديل جدتي” تأليف جيكر خورشيد، عن دار أصالة أما الثالث فكان بعنوان “أحوال كتب الأطفال”، تأليف د.ماتيلدا شافر، عن دار صنوبر بيروت.
وقدمت جائزة أفضل إصدار يبرز جمالية اللغة العربية وانفتاحها على الثقافات الأخرى بعنوان “العربية في شوارع بيروت”، تأليف مجموعة باحثين، عن مرصد اللغات/العربية وأخواتها_جامعة القديس يوسف.
أما جائزة أفضل إصدار حول إستخدام التطور الرقمي في خدمة اللغة العربية، فكانت بعنوان “المورد الحديث الإلكتروني “قاموس إنكليزي عربي بنسخة ورقية إضافة الى نسخة الكترونية تعمل على أجهزة أبل وويندوز والأجهزة التلفونية، تأليف منير بعلبكي – د. رمزي بعلبكي،عن دار العلم للملايين.
والجوائز هي عبارة عن مبالغ مالية قدمت كدعم من هيئة الشارقة للكتاب.