في الزمان الغابر، كنت آخرَ من يعلمُ أنّ الأرض تدور، لكي نلتقي. عثرتُ عليكِ في بلاد غريبة، سرنا معاً في شارعٍ ممطر. غطّيتُك بردائي لكي نقتربَ أكثر. ويبتعدَ النسيان. كان عطرُكِ ينتشرُ في المطر. رائحةُ الأرض الطيّبة أنتِ. عذابي وفرحي أنتِ. وعندما هدأ المطرُ قليلاً، قليلاً فقط، أخذتُ اسْمي عن شفتيكِ، وجعلتُه وردةً، عنواناً لكتاب. أحببتُ اسمي ذات مرّة، وكنت أعتقد أنّه لا يُشبهُني. أربعةُ حروف على هاتين الشفتينِ، هاتينِ القبيلتينِ الغاضبتين، وأرتقصُ من وجعي. كلُّ شيء يكون حقيقة، وأنا أشبهُ الحقيقة. كلُّ لقاء هو حلم، لذلك أجدُ نفسي في جزيرةٍ لا أعرف فيها أحداً. فكيف انتقلَ منزلي إلى هنا؟ من حملَ ذاكرتي ورماها على الطريق؟ من حوّلني إلى شجرةٍ مُزهرةٍ عند طرف الحديقة؟ من أعطاني حصاناً لأخرجَ من الليل وأكسُرَ النافذة؟… هو الساحرُ الأنيقُ، الرقيقُ، العميقُ، الصامتُ، الذي يحبُّني ولا يحبُّني، يعرفُني ولا يعرفُني. يرقصُ على أطرافِ أصابعي، ويضحكُ من أحزاني.
كلُّ امرأةٍ لا تكونُ أنتِ لا أفهمُ كيف ولدتْ، وكيفَ يكونُ لها بيتٌ في قصيدة. كلُّ لحظةٍ لا تكونينَ فيها، لا أكونُ فيها. لكنّني لا أتحدّثُ عن ذاتي، لكي لا تصيرَ الكلماتُ غباراً… أحبُّ أن تكوني ملِكة، غابةً من الشجرِ والظلال، أذهبُ إليها، وأنحتُ في جذوعِها كلماتٍ كلمات. والصمتُ عندما نلتقي هو معبدي. فدعيني فقط أتجوّلُ في عينيك الهاربتين. ومتى ستهدآن قليلاً، وتصغيانِ إلى ما أقول؟ مرّةً واحدةً أنظري إليّ… إلى شغفي وانتظاري. إلى وحدتي التي أصبحت زورقاً في ضباب. ويسألُني ملوكٌ جاؤوا من بابلَ وفينيقا: كيف أحببتَ امرأةً واحدة؟ فأجيب: هي الروحُ التي تسكنُ في جسدي، ولا أريدُ أن أصبحَ جسداً بلا روح.
تذكّرت أسماءَ النساء، وقد عبرنَ في إلياذةِ هوميروس، وفي قصائدِ الرومنسيّينَ، وفي سيمفونيّات العباقرة. لكنّ امرأةً واحدة لا أريد أن أتذكّرها، لأنّها ليست من الماضي. ففي كلِّ يومٍ هي غناءٌ جديد… راقصةٌ في دفتري… هي نارٌ بين السطور، والشعراءُ يذهبون إلى النار، ولا يخافونَ… لأنّ الحريقَ على يد امرأة، هو أجملُ الشعور.
***
*هذا النص من ضمن 30 نصّاً من الشعر المنثور “نثر أو شعر”، ينشرها الأديب الدكتور جميل الدويهي على صفحته على فيسبوك.
*مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي – سيدني النهضة الاغترابيّة الثانية – تعدّد الأنواع.