الكاتب والأديب/ عبدالله مهدى
(رئيس لجنة الحضارة المصرية القديمة بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر ، ونائب رئيس النقابة الفرعية لاتحاد كتاب الشرقية ومدن القناة وسيناء … كاتب مسرحى وقاص، وباحث في الموروث وله اجتهادات نقدية)
هذا ما أكده عالم المصريات الشهير جيمس هنرى برستيد بقوله : (إن عطاء مصر للحضارة والإنسانية دائم ومتجدد وينهض دليلا على عبقرية أصيلة ووجدان مرهف لشعب وادى النيل وهى عبقرية لم تنقطع قط ولن تنقطع قط وستظل تؤدى دورها طالما بقى نسبج حياة ذلك الإنسان العظيم ) كما أورد برستيد فى كتابه الفريد ” فجر الضمير ” دفاع مصرى ميت عن نفسه أمام محكمة الٱلهة من ( كتاب الموتى ):
وإني لم أعرف أية خطيئة
وإني لم أترك أحدا يتضور جوعا
إني لم أغتصب لبنا من فم طفل
إني لم أطرد الماشية من مرعاها
إني لم أنصب الشباك لطيور الٱلهة
إني لم أتصيد السمك من بحيراتهم
—– إني لم أمنع المياه عن أوقاتها
إني لم أضع سدا للمياه الجارية
وقد أورد :–
أنا لم ألوث مياه النيل
ولم أعذب نباتا بأن نسيت أن أسقيه
وأن صوتى لم يكن مرتفعا
كل هذه الإعترافات الإنكارية من جانب الميت تثبت مدى سمو أخلاق المصرى القديم ومدى إحترامه للبيئة وكل ماعليها ، وعدم تدخله بشكل جائر فى أى مفردة من مخلوقاتها …
حتى رفع صوته والتلوث السمعى والضوضاء كان يتجنبها …
** وقد راعى المصرى القديم المناخ وتغيراته عند بناء بيته ، لذلك صنعه من مواد صديقة للبيئة ، سواء الطوب اللبن أو الخشب أو جذوع النخل …
كما حظيت بيوتهم بالحدائق ذات الأسوار ، وقد غرست فيها ألوانا من أشجار الصفصاف والرمان وغيرهما ، وتجملها أحواض المياه ويغطى سطحها نبات اللوتس والبردى ، ونشاهد على جدران قبور الدولة القديمة ، صورة تمثل كبير الكهان ” متن ” وقد غرس فى قطعة من الأرض مربعة الشكل طول ضلعها مائتا ذراع — أى أنها مسطحها يبلغ نحو عشرة ٱلاف متر مربع به أشجارا نخيل وتين ودوم وسنط وحفر فيها حوضا كبيرا جدا به نباتات خضراء اتخذتها الطيور المائية مأوى لها ، وبنى له منزلا جميلا محاطا بسور مرتفع تحف به الأشجار الباسقة وأمامه تكعيبة عنب ( وقد رأينا هذه النوعية من المنازل حتى وقت قريب فى القرى المصرية)…
وقد شيد ( مكت . رع ) بالدير البحرى بطيبة من عهد الأسرة الحادية عشر حديقتين لا مثيل لهما ، واجتهد الفنان فى تصميم نموذج لهما ، للكشف عن الأجزاء الهامة بالمنزل والحديقتين ، وأقام سورا يحجب المنزل عن العالم الخارجى ، وأقام حوضا مستطيل الشكل مصنوعا من النحاس حتى يسهل وضع ماء حقيقى فيه ، وأنشاء إيوانا كبيرا محلى بأعمدة نضرة اللون وقد صنعت الأشجار من الخشب وركبت فى كل منها أوراق مصنوعة بشكل جيد ( متحف متروبوليتان بنيويوك ) ” والصورة موجودة مع صور المقال”…
** ويعد قصر أخناتون دليلا على تعلق المصرى القديم وملوكهم بالأزهار وحبهم لها ، فكانت تحيط بالقصر حديقة غناء بها أشجار باسقة وأزهار يانعة وكشك يستمتع أخناتون بالجلوس فيه مع الملكة …
كما شيدت الملكة حتشبسوت معبدا فخما بالدير البحرى بطيبة تمجيدا للإله ٱمون يحتوى مدخله على ثلاث مدرجات زرعت فيها نباتات متنوعة….
كما عنيت الملكة عناية كبيرة بجلب أشجار البخور والمر وألوان من النباتات الأخرى من بلاد ” بنت”…
كما سار تحتمس الثالث على هديها فى جلب كثير من النباتات من سوريا وغرسها بطيبة ، وقد نقشت صورها على جدران إحدى قاعات بهو الأعياد بمعبد الكرنك وسماها بعض العلماء ( حجرة الزراعة ) وهى عظيمة القيمة من الناحية الفنية وتعد مرجعا هاما لعلماء النبات الذين درسوا أنواعها وكتبوا عنها ، وهى أقدم حديقة من نوعها فى العالم القديم وقد ورد فيها رسم الرمان لأول مرة الذى انتشرت ذراعته بمصر وأضحى فاكهة محلية..
وقد كان رمسيس الثالث مولعا بالحدائق ، فأنشأ فى مدينة هابو بطيبة حديقة بها أشجار وأحواض للأزهار….
*** وقد ورد فى قصة ” سنوهى ” فى عصر الدولة الوسطى ، حديقة الجبانة ، حيث كانت هذه الحدائق غير كبيرة لوقوعها فى الصحراء…
*** كما عرفت مصر ” المحميات الطبيعية ” والتى صورت على جدران المقابر فى ” بنى حسن ” بالمينيا…
فمصر القديمة مازالت فاعلة فينا بتنظيمنا مؤتمر المناخ COP27
***
*الصور الملحقة بالمقال أرسلها لي الدكتور / مجدى شاكر ( كبير الأثريين بوزارة السياحة والأثار)…