شدد وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى أن “لبنان، على الرُغم من جميع الأزمات التي يعبر فيها، لا يزالُ قِبلةَ أنظارِ منظمات ودول لا حصرَ لها، تجدُ فيه فضاءً ثقافيا منفتِحا على إمكاناتِ تطور غير محدودة، بسبب ما يختزنُه تراثُه وشعبُه من غنًى وحرية، وما تمثله عاصمته بيروت التي صنفتها الأونيسكو مدينةً مبدعةً للأدب عام 2019 بعدما كانت عاصمةً عالمية للكتاب في العام 2009. وغيرَ بعيدٍ منها، تقعُ مدينةُ جبيل أمُّ الأبجدية وناقلتُها إلى العالم، التي تستضيف المركز الدولي لعلوم الإنسان، وأيضاً مدينة طرابلس المنتخبة عاصمةً للثقافة العربية للعام 2024 وثاني أهم مدينة مملوكية في العالم”.
كلام المرتضى جاء خلال تمثيله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في افتتاح مقر المكتب الاقليمي لليونسكو في بيروت بعد تأهيله وتجديده، في حضور مساعد المدير العام لمنظمة الاونيسكو في باريس للشؤون الادارية نيكولاس جيفريز ومديرة المكتب الإقليمي في بيروت كوستانزا فارينا وحشد من الشخصيات السياسية والدبلوماسية الأجنبية والعربية والهيئات الثقافية.
استهل المرتضى كلامه مرحبًا بالحضور، وقال: “لبنان بلد حميد فرنجية، رئيسُ المؤتمر العام للأونيسكو الذي استضافتْه بيروت في العام 1948 وينبغي لي أن أذكر هنا بأن بيروت التي استضافت المؤتمر العام الثالث سنة 1948 شيدت لتلك المناسبة قصرا لا يزال اسمه حتى اليوم “قصر الأونسكو” وما برح محتفظا باسمه على الرغم من انه اضحى المقر الأساسي لوزارة الثقافة اللبنانية كدليلٍ على متانة العلاقة التي تربط لبنان ووزارة الثقافة اللبنانية بمنظمة الأونيسكو”.
أضاف: “لبنان بلدُ عارف الريس، وإشاراتِ قدموس التي ترتفعُ على أحدِ حيطانِ مركز المنظّمة في باريس، ضمن “مجموعة الأونسكو للأعمال الفنية”، وبلدُ أنطوان غطاس كرم صاحب “كتاب عبدلله” من سلسلة “الروائع الأدبية” للمنظمة، وبلدُ الإمام موسى الصدر وكمال جنبلاط والشيخ صبحي الصالح والمطران جورج خضر والأب يواكيم مبارك والمطران غريغوار حداد وكثيرين غيرهم ممن بادروا إلى إجراء حوارٍ مسيحيٍ إسلاميٍ في قاعات المنظمة عام 1977 لتكون مبادرتهم فاتحةَ ما عُرف لاحقًا بحوار الأديان، وبلدُ العديد ممن ساهموا في قضايا هذه المنظمة، منذ اشتراكه في تأسيسِها وصولاً إلى نجاة صليبا وعبلا السباعي اللتين نالتا جائزةَ لوريال-الأونسكو للنساء في العلوم. ومي شدياق التي نالت في العام ٢٠٠٦ الجائزة العالمية لحرية الصحافة”.
أضاف: “فيا ضيوفنا الأجانب، أهلا وسهلا بكم في لبنان، نعيد وإياكم افتتاح هذا المكتب الإقليمي بعد الانتهاء من اعمال ترميمه، وهو المكتب الفاعل جداً منذ تاريخ إنشائه في العام 1961، والذي نعوّل عليه الكثير، بجميع العاملين فيه بقيادة الصديقة العزيزة الأستاذة فارينا، في لعب دور الشريك الأساسي لوزارة الثقافة اللبنانية بمعرض سعيها الى حفظ موروث لبنان التراثي المادي وغير المادي، وصون كنوزه الأثرية واستعادة دوره الرائد ثقافيا وحضاريا على مستوى المنطقة والعالم”.
وتابع: “إننا اليوم أمام مناسبة بأبعاد ثقافية وسياسية كثيرة، أهمها أن لبنان، على الرُغم من جميع الأزمات التي يعبر فيها، لا يزالُ قبلة أنظار منظمات ودول لا حصرَ لها، تجد فيه فضاء ثقافيا منفتحا على إمكانات تطور غير محدودة، بسبب ما يختزنه تراثه وشعبه من غنى وحرية، وما تمثله عاصمته بيروت التي صنفتها الأونيسكو مدينة مبدعة للأدب عام 2019 بعدما كانت عاصمة عالمية للكتاب في العام 2009. وغير بعيد منها، تقع مدينة جبيل أم الأبجدية وناقلتها إلى العالم، التي تستضيف المركز الدولي لعلوم الإنسان، وأيضا مدينة طرابلس المنتخبة عاصمةً للثقافة العربية للعام 2024 وثاني أهم مدينة مملوكية في العالم”.
وقال: “إن لبنان إن ينسى فلا ينسى المبادرة التي أطلقتْها المديرةُ العامة أودري ازولي مشكورة في ذكرى انفجار 4 آب 2020 وسمتها “لبيروت”. مبادرة سباقة كرست الأونسكو من خلالها وَضع التعليم والثقافة في صلب جهود الإغاثة في حالات الطوارئ منذ لحظتها الاولى. وتستمر هذه المبادرة بنجاح عبر جهود المنظمة ودعم الدول الأعضاء في إظهار الروح الحقيقية للأونسكو. وإن لبنان التواق الى استعادة دوره الريادي ثقافيا وحضاريا يواجه جملة أزمات تزداد وطأتها بوجود مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين المنتشرين على كامل الجغرافيا اللبنانية، ممن ينوء بهم الاقتصاد، وهذا يوجب على الأونيسكو دعوةَ قادةِ العالم إلى إيجاد حلولٍ جذرية للمسألتين الفلسطينية والسورية برفعِ الاحتلال ووقف الاعتداء واجتثاث الإرهاب، وفقا لقرارات الأمم المتحدة ومبادئ حقوق الإنسان ومقتضيات ثقافة السلام الحق”.
أضاف: “إن لبنان حريص على البقاء في طليعة الدول المتمسكة برسالة الحرية والتعددية والتنوع، فهو بتكوينه مساحةُ عيش واحد ولقاء وحوار، أما ما عجزت عنه الحروب العسكرية المتكررة التي جرى خوضها ضده وفيه من أجل إخضاعه وهدم دوره فتخاض اليوم بشكل آخر ووسائل أخرى منها تأليب اللبنانيين بعضهم على بعض ورفع الحواجز النفسية في ما بينهم وتأجيج الغرائزية والطائفية فضلا عن تزخيم الأزمات ومنها الإقتصادية بما لها من تداعيات إجتماعية على نحوٍ أدى ويؤدي الى جعل العديد من اللبنانيين يركنون الى الهجرة سعيا للعيش في ظروف أفضل وهذا ما يتهدد التنوع اللبناني الفريد بنوعيته المتميزة ويتهدد بالتالي فرادة لبنان بل السبب الموجب لبقائه ككيان”.
وتابع: “وزارة الثقافة اللبنانية مصرة على أن تلعب دورا على مستوى بناء جسور التلاقي التي تجعلنا وحدها نخرج من كهوفنا النفسية ونتحرر من خوفنا ونستعيد ثقتنا بذواتنا وببلدنا وننطلق في عملية بناء الإنسان والوطن على أسسٍ افضل ليستعيد دوره مركزا للإشعاع الحضاري والتعاون الإنساني وأنموذجا يقتدى به على مستوى قبول الآخر، ونحن نتطلع إلى دعم المنظمة ودعمكم، ليبقى لبنان وفيا لدوره قائما به على أكمل وجه، تحقيقا لرسالته الإنسانية ولمعنى وجوده.”
وختم: “أنقل إليكم أصدق تحيات دولة رئيس مجلس الوزراء الاستاذ نجيب ميقاتي الذي شرفني اذ كلفني بتمثيله في هذه المناسبة. دمتم بخير وعاشت الأونيسكو منارة تشع على الإنسانية تعاونا وتعاضدا وسلاما، عشتم عاشت الثقافة وعاش لبنان”.
فارينا
بدورها، قالت مديرة مكتب الاونيسكو الإقليمي في بيروت: “بدأت علاقة الاونيسكو بالمنطقة العربية، وبيروت على وجه التحديد، في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 1948، عندما استضاف لبنان في بيروت الدورة الثالثة للمؤتمر العام للاونيسكو. عقد المؤتمر في قصر الاونيسكو، على بعد دقائق قليلة من هنا. وتشير المقالات الإخبارية من ذلك الوقت إلى وجود بعض التساؤلات السياسية حول استضافته في المنطقة. ومع ذلك، صرح الدكتور شارل مالك، المساهم في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومندوب لبنان لدى الاونيسكو، أن الاونيسكو يجب أن تكون فوق السياسة قبل كل شيء. لقد التزمنا في الاونيسكو بهذه الحتمية وعملنا جاهدين على تعزيز قدرة المؤسسات التعليمية والثقافية والعلمية والإعلامية. بعد 75 عاما، في عام 2022، لا يزال هدفنا هو نفسه، وهو إحداث تغيير إيجابي من خلال مهمتنا الفريدة في التعليم والثقافة والعلوم الاجتماعية والتواصل والمعلومات”.
أضافت: “كل يوم من بيروت نعمل مع كل العواصم العربية. ومع ذلك، تتمتع بيروت بمكانة خاصة وفريدة من نوعها للاونيسكو. تستضيفنا جميعا بالكثير من اللطف وتلهمنا بتنوعها الغني وتاريخها وثقافتها وأسلوب حياتها. عندما ضربت مأساة المرفأ بيروت في 4 آب / أغسطس 2020، عشناها معكم، وتحت قيادة المديرة العامة السيدة أودري أزولاي، أطلقت الاونيسكو على الفور مبادرة “لبيروت” الرائدة والتي حشدت الموارد لوضع التعليم والثقافة في قلب عملية التعافي لبيروت. يواجه لبنان اليوم أزمات متعددة ومعقدة، ولا تزال الاونيسكو هنا، وستبقى هنا. أود أن أغتنم هذه الفرصة لأدعو إلى استمرار الدعم للشعب اللبناني”.
وتابعت: “تماشياً مع التزامها المستمر بلبنان، استثمرت الاونيسكو مواردها الخاصة بين عامي 2020-2022 لتجديد المبنى، مع تحسين البنية التحتية والأثاث والواجهة والمعدات، مع الاحتفال أيضا بالذكرى الخمسين لتأسيس المكتب الإقليمي. مع هذا التاريخ الثري وراءنا، أتطلع بشغف إلى مستقبل مشرق. لقد تغيرت الحياة بشكل كبير منذ عام 1961، وفيما تم تجديد الجزء الخارجي من المبنى وتأهيل الداخل، ظل شيء واحد على حاله وهو التزام الاونيسكو ودعمها للبنان ومنطقة الدول العربية”.
جيفريز
أما مساعد المديرة العامة للاونيسكو للشؤون الإدارية والتنظيمية، فقال: “في الوقت الذي تعمل فيه الاونيسكو على تعزيز عملها على المستوى الإقليمي، يبدو وجود مكتب الاونيسكو في بيروت مهما كما كان دائمًا. إن التحديات المعاصرة عديدة ومتعددة الأوجه. تتعاون وكالات الأمم المتحدة لمواجهة هذه التحديات والوصول إلى أهداف خطة 2030 على أرض الواقع. ويلعب مكتب بيروت الإقليمي في هذا الصدد دورًا أساسيًا في التنسيق العام لمشاركة الاونيسكو وتمثيلها في هياكل حوكمة الأمم المتحدة في منطقة الدول العربية. ومن أجل تقديم استجابات أكثر شمولاً وفعالية وتماسكًا، تتماشى بشكل أفضل مع الأولويات الإنمائية للدول الأعضاء، بدأت الاونيسكو التفكير في وجودها في العالم. وكجزء من هذا التفكير، تعتزم الاونيسكو تعزيز هياكلها الإقليمية لتمكينها من توفير قيادة فكرية واستراتيجية وسياسية كاملة على المستوى الإقليمي”.
أضاف: “في هذا السياق، سيبقى المكتب الإقليمي للاونيسكو في بيروت ركيزة على المستوى الإقليمي، للاستجابة للاحتياجات ذات الأولوية للبلدان التي يغطيها، والتفاعل مع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الحكومات الوطنية ومنظومة الأمم المتحدة. ليس لدي شك في أن المكتب الإقليمي للاونيسكو سيكون قادرًا على تحقيق الكثير في المستقبل كما فعل بالفعل في بيروت منذ إنشائه”.
فرونتسكا
من جانبها، هنأت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جوانا فرونتيسكا الاونيسكو على تجديد مكتبها الإقليمي في لبنان. وقالت: “هذا يؤكد من جديد التزام الاونيسكو تجاه لبنان وجميع الدول العربية. إنها أيضًا رسالة دعم قوية لحكومة لبنان في هذه الأزمة غير المسبوقة، وهي وقوف الاونيسكو وأسرة الأمم المتحدة بحزم مع جميع الناس في لبنان لمواجهة هذه التحديات”.