افتتح وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال القاضي محمد وسام المرتضى فعاليات “ملتقى استشراف الثقافة العربية في ظل التحديات العالمية “الذي عقد في بيروت مدة يومين بدعوة من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “الالكسو” بالتعاون مع وزارة الثقافة واللجنة الوطنية اللبنانية للاونيسكو، في حضور ممثل المدير العام لمنظمة “الالكسو” مدير ادارة الثقافة الدكتور مراد محمودي ، رئيس اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو المحامي شوقي ساسين وبمشاركة دكاترة وخبراء في الشأن الثقافي من مختلف الدول العربية.
تطرق المرتضى في كلمة الافتتاح الى “مستقبل الثقافة العربية في مواجهة التحديات ان في ظل ما فرضته الحداثة الرقمية وغير ذلك وصولا الى جائحة كورونا وجدلية تثبيت الهوية الثقافية” .
وقال:”كما يحمل الإنسان في خبايا خريطته الجينية بصمة وراثية تحدد له خصائص كيانه، كذلك تحمل الأمة في خلايا وجودها بصمة ثقافية تحدد لها هويتها الحضارية. فالأمة، كأي كائن حي، تنمو قواها أو تهزل، وتقوى مناعتها أو تضعف، بمقدار ما يتأمن لها من غذاء فكري مبسوط على موائد المعرفة، وأفخره ذاك الذي تشترك هي في صنعه وتحضيره.
اضاف:”أمتنا العربية اليوم عرضة لتحديات ثقافية كبيرة، لم تبدأ مع الجائحة وإن تفاقمت خلالها، وتطرح على أبناء العروبة أسئلة مصيرية حول دور ثقافتهم في صناعة المستقبل الإنساني، بعيدا عن التغني المألوف بالماضي الجميل.
وسأل:”لكن في الأصل، هل يمكن الحديث عن ثقافة عربية خالصة في ظل ما فرضته الحداثة الرقمية على جميع الشعوب من تواصل معرفي واحتكاك وتمازج في كل مناحي الحياة من دون استثناء؟ وإذا كان ذلك كذلك، كيف يمكن تثبيت الهوية المستقلة من جهة، والمتماهية في الوقت نفسه مع سائر الهويات الثقافية في العالم المعاصر؟
تابع :”إنها معادلة دقيقة وصعبة، أشبه ما تكون بالمعادلات الكيميائية التي تقوم على توازن دقيق بين العناصر المكونة لها، بحيث لا ينبغي لعنصر منها أن يزيد أو ينقص مثقال ذرة، لئلا تتغير طبيعة الشيء المركب، فيتحول فعله وتأثيره من وجه إلى سواه.
أيها الأحباء.”
أضاف:”من سمات الثقافة أنها تحتوي على منظومة قيم ونهج عيش وتراث مادي وروحي يتكون في الأمة عبر العصور، بالإضافة طبعا إلى الميادين الإبداعية المختلفة في العلوم والفنون والفلسفات والإنسانيات“.
ولفت الى ان “عالم اليوم، بمقدار ما يسعى إلى حفظ الخصوصيات الثقافية لدى جميع الشعوب باعتبارها إرثا حضاريا عالميا جديرا بالحماية، فإنه في الوقت نفسه يسعى بوسائل مختلفة إلى بسط رؤية للحياة قد لا تتلاءم مع تواريخ هذه الشعوب ومنطلقاتها الثقافية؛ بحيث يصبح من أولى الضرورات أن نبحث نحن العرب عن الوسائل التي تمكن مجتمعاتنا من أن تقارب عيشنا على المستوى الثقافي، بروح التشبث بقيم الحق والخير والجمال التي يزدحم بها تراثنا العريق، كما بروح الانفتاح على الثقافات الأخرى المعاصرة، أخذا وعطاء وتفاعلا حيا. ولا شك في أن وباء كورونا الذي اجتاح العالم، والأزمات السياسية والأمنية والعسكرية التي تعصف به، فرضت إيقاعا جديدا وآليات جديدة لمواجهة تداعياتها على الصعيد الثقافي“.
وختم سائلا :”فكيف تواجه الثقافة الأزمات؟ أو بالأحرى كيف الفرد والمجتمع يواجهان بالثقافة الأزمات؟ سؤال تتدرج الإجابة عليه من بسيطة يقولها العاديون من الناس، إلى فلسفية تنظر في شأنها النخبة الفكرية. وها أنتم اليوم نخبة من كل بلاد العرب، تحت لواء منظمة عربية نخبوية، تتطارحون هذا العنوان في بعديه النظري والعملي، من أجل الخلوص إلى أجوبة وافية، تشكل خريطة طريق لدولنا ومجتمعاتنا، وبخاصة بعد التجارب القاسية التي مررنا بها في ظل أزمات متلاحقة لا تزال تحيط بنا منذ عقود.قواكم الله وسدد خطاكم. والسلام.”