عبدالله مهدي
(رئيس لجنة الحضارة المصرية القديمة بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر ، ونائب رئيس النقابة الفرعية لاتحاد كتاب الشرقية ومدن القناة وسيناء … كاتب مسرحى وقاص، وباحث في الموروث وله اجتهادات نقدية)
-1-
كانت مشاركتى ضمن وفد النقابة الفرعية لاتحاد كتاب الشرقية والقناة وسيناء ، أهلينا فى السويس ، احتفالاتهم بالعيد القومى ، دافعا لى لنظر فيما سطرته مسبقا ، عن فدائية أبناء السويس وتفردها .
فمع تهجير ألاف من منطقة قناة السويس ، عقب العدوان الصهيونى على مصر فى ٥ يونيو ١٩٦٧ م ، لم يمكث فى مدن القناة سوى مجموعات الفداء والتضحية ” المقاومة الشعبية ” وكانت إحدى ثمارها العبقرية مجموعة ” ولاد الأرض ” والتى تناغمت فيها فرقة المقاومة الشعبية التى أسسها المركبى والمطرب الشعبى سيد كابوريا ( والذى يظهر بجوارى فى الصورة ) مع فرقة شكلها الكابتن غزال ” مدرب المصارعة الذى كان عضوا فى منظمة الشباب الاشتراكى بالسويس فى الستينيات ” وعلى يديه شكل فرقة ( ولاد الأرض ) فى أحضان جبهة المواجهة مع الصهاينة ، وقد التقطت الفرقة من المجموعات القتالية مبدعين فى الشعر والغناء لقبوا ( المستبقيين ) .
سبع سنوات من التضحية والفداء ( ١٩٦٧ —- ١٩٧٣ م ) خلدتها أوتار السمسمية على النحو التالى:–
*أغنية ” فات الكتير”:-
كانت تلك الأغنية تغنى على الجبهة إبان نكسة ٥ يونيو ١٩٦٧ م ، وتعد تلك الأغنية من أكثر الأغانى المحملة باحساس مزدوج ، يمزج بين الهزيمة والاصرار على القتال حتى يتحقق النصر :-
( فات الكتير يا بلدنا / ما بقاش إلا القليل / بينا يا لا بينا / نحرر أراضينا …)
ومن جمال الأغنية ، أنها جعلت من خسائرنا ، أدوات نشكل منها معداتنا ، ونوظفه لدفاع عن أرضنا ، حتى يتحقق النصر : ( وعضم إخوتنا / نلمه نلمه / نسنه نسنه / ونعمل منه مدافع / وندافع / ونجيب النصر هدية لمصر / وتحكى الظنيا علينا / بكرة يا بلدنا هنعوض إللى فاتنا )..
** أغنية ( الفاتحة للعسكرى):–
فى أجواء الارتباك والقلق التى أصابت المصريين وبخاصة من هم فى خط المواجهة مع الصهاينة ، حتى اتضحت لهم الحقيقة المرة فى صباح ٩ يونيو ١٩٦٧ م ، برؤية العدو على الجبهة الأخرى من القناة .
فى ظل حالة الانكسار عمدت فرقة ( ولاد الأرض ) إلى الغناء لمن اعتبرتهم أبطال تلك المعركة ، فعلى أوتار السمسمية غنوا ( الفاتحة للعسكرى) :–
(الفاتحة للعسكرى / سبع السباع الفللى / واقف وحاضن مدفعه / بطل وحارس موقعه ..والفاتحة / الفاتحة للباشكاويش / حاضن سلاحه / تقول عريس / بتقول ألفين ميكفينيش / أضحى بعمرى / وسينا تعيش)
وتستمر الأغنية بسلاستها ووضوحها فى ذكر هؤلاء الأبطال الحقيقيين ، وقود المعارك وأبطالها ، كما أنهم رغم الهزيمة واغتصاب سيناء ، إلا أنهم لم ينسوا قضاياهم العربية ، وتواصل قراءة الفاتحة لكل هؤلاء الأبطال ، فى إشارة ضمنية لمن تقع عليهم مسؤلية الهزيمة ( الفاتحة / الفاتحة لكل قائد / ضابط صغير أو رائد / لمجد بلده ناوى وعاقد / النصر ضميره قايم …. راقد … الفاتحة ! / الفاتحة لكل فدائى / فلسطينى أو عراقى / سورى ، لبنانى / بيلاقى حتفه فى قدسه وسيناء الفاتحة) …
*** أغنية ( برهوم) :–
تمجيدا لكل من جعل المقاومة والفداء والتضحية سبيله ، وتجاوز كل أهوائة ، واتخد من المقاومة الشعبية هدفا ، مهما تضاءلت موارده على نحو ” برهوم الحشاش ” الذى باع جوزته النحاس واشترى بها رصاصة ، ودعى الناس للمقاومة والفداء :— ( برهوم الحشاش / برهوم يا برهوم / يا أبوزيد الهلالى / قوم صحى النوم / دى بلدنا عايزانا كلنا / أى والله / برهوم كان حشاش / عنده جوزة نحاس / باعها وجاب رصاص / يحارب عدوه / برهوم حشاش / قام لم الناس / قال لهم مبقاش / يا لا على سينا) ..
وتوسع الأغنية من دائرة برهوم فتجعله سويسى غيور على بلده ، صنايعى عاشق مصنه ، وبحرى ……فتقول الأغنية :–
( برهوم سويسى / السويس بلده / شاف ضرب عليها / صمم .. ليرده / برهوم صنايعى / عاشق مصنعه / حالف ليصونه / ويشلها فى عنيه / برهوم البحري / راكب سفينته / عباها صواريخ .. مصرية / غىق بيها إيلات) …
قصة ” أولاد الأرض — المستبقيين ” ستظل على مدى الدهر ، رمزا للعبقرية المصرى الذى جعل من أوتار السمسمية وقودا لحرق قوى العدوان ….
-2-
فرقة ” أولاد الأرض ” ، غردت على أوتار السمسمية ، معبرة عم يود الوجدان الجمعى للمصريين قوله .، فعندما انتقل عبدالناصر إلى ربه ، وتولى السادات قيادة مصر ، حلت على المجتمع المصرى والعربى حالة من الرمادية المقلقة لكل الوطنيين وبخاصة الحركة الطلابية فى بداية السبعينيات ، حيث شعروا بحالة من التراجع عن مواجهة العدوان الصهيونى ، فتجلت نغمات السمسمية فى بلاد المهجرين معبأة الوجدان الجمعى للحرب ، وموجهة انتقادات لاذعة لسياسات السادات فجاءت أغنية ( جلا جلا عام ١٩٧١ م نقدا فاضحا لسياسات الدولة وقائدها :-
( جلا جلا / شايل شنطة فى باطه / تقول حاضن مراته / كله حركات وحياته / كذب وتزوير ودنجلة / يقعد يخطب بالساعة / كذاب زي الإذاعة / فى كل كلمة إشاعة / زى الغراب فى الحنجلة….) .
التعبير عن وجدان الجماعة الشعبية ، والتعبير عن ٱلامها وٱمالها ، وتسجيل تنديدها بأشكال الفساد ورواده، فعلته فرقة ( أولاد الأرض ) حينما استدعت فى أغنيتها ( يا هباب ) أحد أعضاء البرلمان (١٩٦٩ — ١٩٧٠ م ) ونددت بفساده وغبائه مغردة :–
( يا هباب / سبحان العاطى الوهاب / يعطينا ويعطيك يا هباب / من غير ما تكافح وتناضل / ولا تعرف عن إيه بتناضل / مع إنك غبى وبهيم / مكتوبلك فى الغيب يا لئيم / أمانه ورئاسة للمجلس / كرسي وعلى كرسي تمجلس / وتلهف ميه وثمانين / وتخلى عيشتنا هباب…) .
وواصلت فرقة ( أولاد الأرض ) نقدها اللاذع ، لحالة التراجع والانحطاط الذى أصاب أغلب الأفلام والأغانى ، وهو ما فسر من جانبهم بأنه يهدف لتشتيت أبناء الأمة وإلهائهم عن النضال والحرب من أجل إرجاع الأرض والعرض فعلى أوتار السمسمية غنى المستبقيين فى أوائل عام ١٩٧٣ م :–
( خلى بالك من زيزو / وإحكى حكاية مرمر / واللى يجيب سيرة الخلاص / من بوزه يتجرجر / مدد يا ست إمتثال / يا أم التاريخ الهالي جال / إيه يعني / ما فى داهيه الرجال / وفى داهيه سينا والقنال / إيه دخلكم ؟! ما الحال عال !! / والأمركان عاسقين بوزو / عمار يا مصر بحسهم ، والكباريهات ووسطهم / وصحافة خايبه تحسهم / وتحكى عنهم ظرفهم / وليه يا فقر تغمهم / دي الكورة لسه مع زيزو…)
لاحظ كم ما ذكر فى الأغنية من أفلام تلك الفترة ، التى تجنح جميعها للملهاة وشغل الرأى العام بعيدا عن قضية التحرير ، بالإضافة لدور كرة القدم فى تنفيذ هذا المخطط ، ولذلك تجلى ” زيزو ” فى الأغنية بكورته….
وحينما اتجهت القوات الإسرائيلية ناحية السويس فيما سمى بالثغرة إبان معركة التحرير ٢٩٧٣ م ، وعلم المستبقيين باقتراب جيش العدو من المدينة ، قاموا بالتعبئة والاستعداد لمواجهته ، وتسلحوا بأسلحة مخازن مشارح مستشفى السويس ” أسلحة جنود الجيش الذين دفنوا فى السويس ” ، وواجهوا العدو عند قسم الأربعين من يوم ٢٤ إلى ٢٦ أكتوبر ١٩٧٣ م ، وقد أدت بسالة الفدائيين ، إلى تراجع مدرعات العدو خارج حدود مدينة السويس ، وحصارها فيما عرف بحرب (المئة يوم) من ٢٤ أكتوبر ١٩٧٣ م إلى ١ من فبراير عام ١٩٧٤ م ،وفى أواخر يناير ١٩٧٤ م وقف الفدائيين قرب قوات المراقبين الدوليين، وهم يعاينون الحدود قرب ترعة المغربى ليرسموها حسب خرائطهم ، وبقى الفدائيين ليكافحوا حفاظا على مدينتهم بدمائهم ..
وقد تسرب لهؤلاء الفدائيين قلق مبرر ، بألا يسمع أحد صوتهم أو سيرتهم وسط زعيق المعركة الكبرى ( معركة الجيش والنصر العظيم) ولذلك كانت أغنيتهم ( خلديهم يا بلدنا ) والتى سطرت تخليدا لشهداء معركة السويس فعلى أوتار السمسمية غردوا :–
( خلديهم يا بلدنا / لما نصرك يبقى عيد / على محرم ابن قلبك / مصطفى وأخوه سعيد / خلديهم يا بلدنا / وإيدى منهم نور صباحك / خلدوكى هما قبله لجل ما تعودي لبراحك / إبراهيم سليمان وأشرف / أحمد أبو هاشم فى أشرف / ملحمة والمولى حافظ / ندهتك فايز وحافظ / والسويس ٱذان ومدنى / خلديهم يا بلدنا…)…
لاحظوا كم الأسماء الواردة فى الأغنية وكلها أسماء حقيقية لفدائيين قدموا أرواحهم من أجل أن تبقى مصر عزيزة شامخة …. كل التحية لأرواح شهدائنا الخالدة…
-3-
حين استشهد أحد أعضاء فرقة ( ولاد الأرض ) فى إحدى العمليات القتالية يوليو ١٩٦٩ م ، أبدع كابتن غزال أغنية ( مرثية للشهدا ) والتى أورد فيها أسماء بعض الشهداء ، الذين نقشوا بدمائهم سعادة لكل أهل مصر المحبين لوطنهم ، وصنعوا لوطنهم أملا فى غد أكثر عزة وكرامة تقول الأغنية :-
( غضبان وجانى صوته / من قلب قلب الموت / غضبان وبيعاتب / يا قلبكم / وعرفت رسمه / من قلب قايمة أسامي / كذبكم / مع إنكم / قاتلينه ..إنتو / بصمتكم / سلطان / يوسف حسين / / يا نجمتين ضي .. من قلب السويس ، يا فرج ، يا عويس / يا كل الشهدا .. يا ولاد بلدي / يا ناقشين سعادتى بدمكم / إكمنكم / أصدق / وأشرف مننا / طول عمركم / سلطان سلطان سلطان / يوسف حسين / يا نجمتين ضي من قلب السويس / يا فرج يا عويس / سير يا نسيم الصبح .. نااار / متعدي / وأعصر جراح قلبنا / لفلف ودور فى البوادي / واحكى حكاية عمرنا / طفي النور يا بلدنا / يمكن نهب .. نثور / نفرش عضانا نهار / تتحنى بيه وتمدي / سير يا نسيم الصبح نار ما تهدي ..)
وتعد أغنية ( خلديهم يابلدنا ) والتى كتبت عن شهداء معركة السويس ، حيث أدت المواجهة بين الصهاينة وعدد محدود من الفدائيين إلى دفع مدرعات العدو الصهيونى ، خارج حدود المدينة ، وحصار السويس والذى عرفت بحرب ( المئة يوم ) والتى بدأت من ٢٤ أكتوبر عام ١٩٧٣ م إلى ١ فبراير عام ١٩٧٤ م ، حيث ٱمن الفدائيون بأنهم إن لم يدافعوا عن مدينتهم بدمائهم وأرواحهم سيفقدونها ، وجاءت فرقة ( أولاد الأرض ) لتوثق بأغانيها تضحيات الفدائيين واستشهاد بعضهم ، فكانت أغنية (خلديهم يا بلدنا) :–
( خلديهم يا بلدنا / لما نصرك يبقى عيد / على محرم ابن قلبك / مصطفى وأخوه سعيد / خلديهم يا بلدنا / وإيدي منهم نور صباحك / خلدوكى هما قبله لجل ما تعودي لبراحك / إبراهيم سليمان وأشرف / أحمد أبو هاشم فى أشرف / ملحمة والمولى حافظ / ندهتك فايز وحافظ / والسويس ٱذان ومدنى / خلديهم يا بلدنا..)
وقد تجلت بساطة الكلمات ووضوحها فى أغانى فرقة ( أولاد الأرض ) حتى يسهل حفظها ، وانتقالها من مكان لمكان ، وقد تأكد لى من خلال هذه الوقفة القصيرة مع إبداعاتهم الغنائية ، بأنه لا يمكن لباحث فى تاريخ حركة النضال والفداء والتضحية ضد العدوان الصهيونى تجاهلها ، فهى تعد وثيقة فنية مهمة تسجل وجدان و مشاعر وأحاسيس ورؤى أبناء السويس فى تلك الفترة التاريخية المهمة فى حياة السويس خاصة ، وحياة الوطن العزيز مصر عامة …
###
أغلب من ورد ت أسماؤهم فى الأغنيتين من الفدائيين الشهداء ( خلديهم يا بلدنا / مرثية للشهدا ) ، أرسل لى مشكورا المبدع الجميل الدكتور / سادات غريب ابن الفدائى الشهيد / غريب محمد غريب … صورا لهم ألحقت بتلك المقالة …
المجد لشهدائنا الأبرار ، وتحيا مصر ….