جميل الدويهي: مريمية الكلام

 

 

مقدّمة الأديب د. جميل الدويهي لمجموعة مريم رعيدي الدويهي السادسة غيابي ظلّ شجرة على الماء

 

دهشت، عندما عرضت عليّ الأميرة المريميّة نصوصًا من مجموعتها الجديدة “غيابي ظلّ شجرة على الماء”. وكنت أعتقد أنّها تتابع ما بدأت به في مجموعاتها الخمس الأولى، غير أنّني اكتشفت تطويراً مهمّاً في أسلوبها وصياغتها، بحيث أنّ هذه النصوص أكثر عمقًا ورمزيّة. ولو أردت أن أختار أمثلة للتعليق عليها ومناقشتها، لاحترت في أمري، فكلّ صورة تتبعها صورة لا تقلّ شفافيّة عنها، وكلّ فكرة تتبعها فكرة أكثر بُعداً ودلالة.

والعنوان نفسه ينطق بالعناصر التي بنت عليها مريم مجموعتها: الغياب، الظلّ، الشجرة، الماء. وهي عناصر مترابطة ومتكاملة، فالظلّ والشجرة والماء ثالوث ذو علاقة لا تنفصم، فلا تحيا نبتة من غير ماء. ولا تظهر من غير ظلّ، أمّا غياب مريم- الغربة فهو الظلّ على الماء الذي يتبدّد ويتكسّر، وقد يجفّ النهر، وتبقى الشجرة في خلودها ووقفتها الماردة أمام القدر. والنهر نفسه لا يموت، بل يعود إلى نبض الحياة، عندما يذوب الثلج ويدفأ الربيع.

إذن الظلّ هو الغربة ذاتها، ومريم في غربتها، حيناً قليلاً تغيب. وحيناً كثيراُ تعود إلى الأصل، وكأنّي بها تسكن في الوطن وهو يسكن فيها، وإن كانت عناوينها بعيدة، وشوارعها تعصف بها الرياح وغبار الأحزان.

وأترك للمتلقّي أن يقرأ لنفسه، ويلاحق التفاصيل التي تكتبها الأديبة مريم رعيدي الدويهي، في قمّة أعمالها الإبداعيّة، هذا الكتاب الأنيق، من مدرسة “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي، والثورة مستمرّة حتى تحرير الأدب المهجريّ من الجمود والتكلّف، لينطلق إلى رحاب وفضاءات جديدة، وفي ظلّ الوحي على ماء الحياة والعطاء الذي لا يندثر.

وأختم كلمتي بالتأكيد على أنّ مريم، في هذه المجموعة، قد خطت إلى الأمام خطوات متقدّمة، وكثّفت من الرمز الذي تحتاج إليه قصيدة النثر، كما يحتاج الجائع إلى الخبز، وتفرّدت هذه المرأة المهاجرة بلغة تشبه الأرض الطيّبة والجذور الضاربة عميقاّ في التراب، فقلّما تجد عندها نصّاً عن الحبّ والهيام والمشاعر الملتهبة، وهي عناسر تطغى على المئات من النصوص التي نقرأها كلّ يوم، فكأنّ قصيدة النثر هي رافعة لشعر الحبّ، وهي ليست كذلك بالتأكيد، على الأقلّ في مفهوم المريمة الدويهيّة ورؤيتها المتأنّية للأدب والإبداع.

اترك رد