شمم الجبوري – العراق
لم تزل عيناه محدقتين في الهاتف… تتسمران عليه منذ ساعتين.. ما بين تجوال في المواقع والدردشة مع الأصدقاء.. انهى متابعة فيلم وتصفح في التوك توك… غرفته مظلمة لا يلوح منها سوى بصيص ضوء الشاشة….شيء ما شدَّ أنامله بقوة، ومضة خافتة وصرخة وسط ذلك الظلام ثم سكون، إلا من صوت ساعة جدارية على الحائط تشير الى الثالثة فجراً..
الهدوء يعم المكان ونسمات هواء تداعب ستائر الغرفة
والهاتف ملقي على الأرض بشاشة مضيئة يظهر خلالها شخص كأنه تائه.. يجري ويتلفت يميناً ويساراً، ينظر الى الأسفل ثم الى الأعلى وأطرافه ترتعد خوفاً ..
ماهذا؟ هل من أحد هنا؟ صرخ بأعلى صوته، ليتفاجئ بأصوات تخترق البرامج المنزلة..
أصوات تتسلل من الوتساب
هذه مجموعة الأهل ذلك صراخ أبي يبحث عني..
آه.. وتلك مجموعة الأصدقاء.. ههههه ضحك ولهو متواصل.. هل أدق عليهم الباب وأدخل؟ لا ..
لأكمل جولتي..
أين هي حبيبتي.. كنت رمزت لها بالقلب الاحمر بدل أسمها.. آه أنها هناك.. سأطرق الباب وأرافقها في جولة
ستكون الأروع بالتأكيد.. حدق بها..حاول الامساك بها فلم يقدر.. لم تكن سوى هلام غير حقيقي.. صورة وهمية ليس لها جسد.. حلقا معا في سماء زرقاء كأنهما لوحة لشاغال.. تركها ومضى يتيه في شوارع سيدني ومولبورن وشيكاغو ودبي.. زار مراكش ومهران وتونس… ثم دخل صالة سينما ليشاهد أحد افلام هوليود الفائزة بجائزة الاوسكار.. انتهى منه ودخل ملعب كرة قدم .. تتوالى الاهداف سريعا لمباريات مختلفة.. يتبدل لاعبيها بين آونة وأخرى.. وجد نفسه ملقى في ساحة حرب وفي يديه سلاح رشاش.. دخل المعركة.. يقتل اعداءه.. يحصدهم بحرفية.. يعبر الادغال ويغوص في البحار.. يهبط من الطائرة مع صديقته التي ازعجته بصراخها..
وأخيرا.. جاءته رصاصة الرحمة فخرج من القتال إلى مجتمعه وأصدقائه.. يسخر من هذا ويتخاصم مع ذاك.. يترحم على روح فقيد ويبارك في نفس الوقت لعريس.. يغازل هذه ويتحرش بتلك.. يشتم حزبا ويطبل لآخر… يعرض نفسه ويتلقى التنويرات من الأصدقاء.. تأبط ذراع أيقونة قلب الحب وزار مكتب سفريات.. ليختار البلد الذي يسافر إليه بمعيتها.. اختارا تركيا.. وحددا موعد سفرهما… يسمع صوت أمه في الغرفة المظلمة.. أين أنت يا بني.. تنير المصباح.. تهتف باسمه.. يحاول ان يجيبها فلا يستطيع.. تمسك هاتفه النقال.. تتفاجأ بوجود صورته على شكل أيقونة مضيئة على شاشة الهاتف.. تخرط خديها برعب.. يا ويلي.. لقد تحول ابني الى صورة ملتصقة في هاتفه المحمول… يحاول جاهدا الخروج من الهاتف… الهروب من هذا العالم الافتراضي الذي وجد به نفسه… دون جدوى.. عوالم غريبة تحيط به… رجال بملابس العصور الوسطى.. وأخرون بملابس سومرية وبابلية.. جوار يرتدين الاثواب الشائعة في بغداد العباسية.. وفتيات مراهقات يرقصن مع اصدقائهن على موسيقى الجاز… حسين نعمة وسعدون جابر وكاظم الساهر يغنون منفردين بشكل متتابع.. صوفيا لورين مع عمر الشريف وجورج كلوني.. يشاهدهم أمامه في أجمل العروض.. يحاول الهرب فلا يستطيع.. لقد التصق بالشاشة ولا مجال لديه للعودة.. صرخ على والدته التي رمت بهاتفه فتحطم وتناثرت أجزاءه على أرض الغرفة وهو ينظر بفزع..