سلالة نادرة (قصة قصيرة ) 

 

   محمد حسن النحات

                                     ( السودان)

كان جاهلا بصورة تدعو للشفقة، ملامحه فارغة إلا من ابتسامة مستسلمة لقدره، قد لا تكون جريرته لكن كيف لدماء أجداده الجارية في عروقه أن تهدأ.

جده الأكبر كان كلبا من نوع “الكيتا” الياباني بشعر يتدرج من اللون البني المبيض إلى الرمادي ثم الأسود، قدم إلى السودان مع رجل إيطالي جاء مع أول بعثة تبشيرية مسيحية في العام ١٨٤٨ ميلادي..

وبعد عامين وبطريقة لا نعلمها وصل كلب الكيتا هذا إلى السيد “ولاين” القنصل البريطاني، الذي كان مولعا بالصيد وملاحقة أفراس النهر.

ولعه هذا أوقعه في ورطة كبيرة في إحدى غابات منطقة النيل الأزرق عندما وجد نفسه وهو يتبول بعيدا عن مخيمه في مواجهة أسد جائع، وظل السيد “ولاين” إلى يوم وفاته يحكي لمن حوله عن المعركة الشرسة التي دارت بين الأسد وكلبه الكيتا، ويختتم حديثه بإطلاع مستمعيه على ألبوم صور له مع الكلب ثم يخرج قلادة ناب الأسد الذي كسر وقتها والتي أوصى بدفنها معه عند وفاته، احتاج كلبه إلى شهور ليتعافى من جراحه لكنه سيظل يعرج في مشيته إلى الأبد .

جدته كلبة “سلوقية” عاش أسلافها في بلاط الدولة المروية، كانت متباهية بأصلها وتؤكد بضراوة أن اللوحة المعروضة بمتحف ورسستر للفنون في مساسويتيس بالولايات المتحدة الأمريكية والتي تمثل أميرا مرويا يقضي على مجموعة من أعداءه وتحت قدميه كلب ينقض على العدو بينما تحميه من الأعلى الآلهة بأجنحتها.. تقسم الجدة السلوقية أن ذاك الكلب هو جدها الأكبر.

لا أعلم الحقيقة بالضبط لكن من المؤكد أن كلب الكيتا كان يتمشى بصحبة سيده في شوارع الخرطوم، عرجه الفاضح كان يجعل السيد “ولاين” يبطئ من مشيه، ربما وقتها وقعت عينا الكلب على الكلبة السلوقية بجسدها النحيل وبطنها المسحوبة وصدرها الجميل، وخطواتها الواسعة، ربما كان حبا كما أفلام السبعينيات.

وجد كلب الكيتا الأعرج طريقه لملاحقة أنثاه، أضحى يهرب خفية من بيت القنصل البريطاني لملاقاتها، كانا يخفيان علاقتهما فلن يقبل السيد “ولاين” أن يضاجع كلبه الياباني كلبة محلية، بينما عشيرتها السلوقية لن تقبل أن تدنس دماؤها الملكية بدماء كلب أعرج قادم مع الاحتلال. اللقاءات الخفية السريعة صارت توجع قلبيهما فقررا الهرب سوية إلى أطراف الخرطوم.. وقد فعلا.

كان جاهلا بأصله، ممتنا لسيده البالغ العاشرة من عمره الذي يلعب مع الصبية بينما يتركه في صف الخبز، كان ماهرا في الجلوس والتقدم بهدوء دون نباح كلما تقدم الصف نحو الشباك وحالما يصل سينبح مطولا ليهرع سيده ويتناول خبزه..

ظلت ابتسامة بلهاء تحتل ملامح وجهه إلا أنه كان يفكر في حلم غريب ما انفك يزعجه في الليالي السابقة: كان يطارده كلبان أحدهما أعرج وكانا يتفننان في الصراخ عليه، يهتف الأعرج: سأقتلع حنجرتك يا ابن الزانية، بينما تصرخ الكلبة بصوت شرس: مرغت وجوهنا في التراب يا ابن الساقطة.

اترك رد