ميراي شحاده…حرفها يشهد باكتمال النّضج في أشهى الكلام

 

   د. محمد توفيق أبو علي

 

-كديمةٍ مثقلةٍ بالمطر، تمرّ باستحياء وخجل، على الواحات العطشى، تسألها قَبول مائها، بلطف وخفر. 

-كياسمينة تولم ضوعها، لكلّ وردة أعطشها تصحّرُ الزّمن. 

-كنجمة احتبسها الضّوء منذ الأزل، وصلت إلى السّمار في ليل مدلهمّ.

-كطفلة كبرت في غفلة عن الزّمن، ثمّ استيقظت، وآبت إلى طفولتها، فنذرت أن توقظ في الكبار أطفالهم. 

– كمحميّة لم يصبها التّلوّث، تستدعي إليها الطّيور المهاجرة التي أرهقها رصاص القنّاصين، وتحميها بحبّها، جاعلة معارج خضرتها وكنات لها. 

هذه هي المرأة التي أتحدّث عنها؛ وهي ليست من خيال في الظّنّ أو الوهم، بل هي في لباب اليقين، وعلى أرض الواقع؛ وهي تزعم أنّها لم تتقن الطّهو؛ وحرفها يشهد باكتمال النّضج في أشهى الكلام؛ وتدّعي أنّها لم تقتنِ الحلى والثّياب، وهي تُلبس الإبداع، في كلّ ناد تحضره، قشيب الثّياب وأحلى الحلى. 

وتقول…  وتقول ما أوافقه أو ما لا أوافقه حتّى أذعن لقولها: 

” بوهيميّة تائهة أنا في ربوع طفولتي…  علّمتني الحياة أن أعصر من ألق أتراحي أفراحًا في مقل الآخرين.”

يومَ قرّرتْ أن تطير، طارتْ؛ ولا تزال في ارتقاء من حبّ إلى حبّ، ومن إبداعٍ إلى إبداع. 

ميراي شحاده أيقونة حرف، في زمنٍ تشرّدت فيه الحروف، فألجأتها إلى روحها، مثابةً تقيها شرَّ التّشرّد والضّياع، وأسبغت عليها، من جمر الشّوق والحنين،  لهبًا صدّاحًا، يرنّ صداه كأجراس الكنائس أو كخطب المساجد، في مأدبة صلاة تقيمها القوافي في رَدْهة الفجر، كما أسرّت بذلك للكبير الكبير أبيها الشّاعرالمبدع عبد اللّه شحاده، لروحه الرّحمة، ولحرفه دوام التّألّق والسّطوع. 

ميراي شحاده:  وعدتِ أباكِ، ووفيتِ بعهدك ووعدك؛ فقد دحرجتِ عن قبره الصّخرة، بوفائكِ النّبيل وعطائك النّقيّ؛ ودرتِ به، مهلّلة في ساحاتِ المجد، مع كلّ حرفٍ أسهمتِ في نشره. أيّ بِرٍّ أعظم من برّك، فقد كنتِ بارّة بأبٍ يستحقّ كلّ برّ؛ وكُرْمى له ولإبداعه، فقد تمدّد  ظلّ بِرّك حتّى استظلّ به كلّ حرف جميل، قد كواه الهجير؛ فكنت له واحة خصب، وكوّة نحو طمأنينة لا يساورها قلقٌ، أو يدانيها اضطراب. 

ميراي شحاده: وفاؤك لم يبق أسير الحرف الإبداعيّ، بل تعدّاه من غير تعدّ إلى الحرف المنهجيّ، فأسهمت مبارَكةً في طباعة بعض مناهج كلّيّة الآداب، عربون وفاء منك لكلّيّة مررتِ بها ذات يوم. 

ميراي شحاده: جميلةٌ أنتِ، أيّتها الطّفلة الكبيرة العصيّة على الزّمن… وجميلٌ هذا الزّمن-رغم قساوته-لأنّك فيه. 

أستاذ عصمت: شكرًا  لنبل وفائك… شكرًا لفيض عطائك.

***

*كلمة  الدكتور محمد توفيق أبو علي في تكريم المهندسة والشاعرة  ميراي عبدالله شحاده في منتدى شواطئ الأدب، عيتات، 10 – 10 – 2022

اترك رد