نجمة وبُقعة زيت

 

 شمم الجبوري

                                      ( العراق)

خرجتُ من تلك البوابة، بخطى متثاقلة فاقداً للحماس الذي أتيتُ به، شتات وجعي يصب في خليج التيه.  وقفت والانتظار يشل أفكاري في ظهيرة أيلول تلك، كاد الشارع ان يكون خالياً إلا من سيارة بعيدة قادمة متجهة الى الطريق الرئيسي .. لوحت لسائقها، لحظات وركبت في المقعد الأمامي ملقياً عليه التحية رجل في العقد الخامس من عمره، أسمر البشرة بشعر مجعد وعضلات مفتولة، ذو شارب كثيف، في نظراته سكينة الفصول وعواصفها يبدو أنني أثرت فضوله ليمطرني بتلك الأسئلة وكم النصائح

-ملامحك تخبر الناظر أنك لم تُقبل!

*صدقت، رفضوني، علماً أن معدلي يؤهلني للقبول!

صمت السائق لبرهة بعد أن لاحظ غضبي ويأسي، كأنه يفكر كيف يصل الى أفكاري ليرتبها بهدوء.

-أظن انها لم تكن الحاجة التي دفعتك للمجازفة بمستقبلك ؟ ثم أنك لم تفكر بعد خمسة عشر عاماً أين ومن ستكون؟

كان يلقي سؤالاً مع كل مطب يقع فيه إطار السيارة ويخرج، وأرد باحثاً عن شخصه بين ملامحه وكلماته. طال الحديث، انتزع ذلك الرجل كل اندفاعي للدخول الى عالم العسكر.. رجعت بي الذاكرة الى مقاعد الكلية وأيام البزة الزرقاء والقبعة البيضاء وسنين من الغوص في الأرض. وفجأة، لاحت أمامي صورة بقعة زيت سوداء تغطي مساحة شاسعة… تتطاير فوقها أوراق صفراء مكتوب عليها قصائد المتنبي وابن الرومي وبشار ابن برد.. شاهدت يوسف العاني يرتدي ملابس المسرحية بمعية شذى سالم.. رأيت محمد شكري جميل ببنطاله الجينز وشعره الأبيض يصرخ بالممثلين اثناء إخراجه لفيلم سينمائي.. رأيت لوحات فائق حسن ومنحوتات جواد سليم.. قصص عبد الرحمن الربيعي وموسى كريدي.. رأيت كل شيء يطير فوق البركة السوداء.. اتخذتُ قراري حينها بأمر لم يكن قد خطر ببالي . استدار السائق نحوي قائلاً:

-ها قد أوصلتك الى الشارع العام

ترجلت منها شاكراً معروفه .. استدار السائق بسيارته، وقع بريق انعكاس الشمس على نجمات البزة العسكرية التي وضعت بعناية في المقعد الخلفي..

اترك رد