إبراهيم شحبي
( السعودية)
عشرات السنين مرت وهو يعتقد أنه يسكن قصراً واسعاً، وله زوجة جميلة، وسيارة فارهة، ووظيفة مرموقة براتب كبير جعله من علية القوم.
ظل يستقبل صباحاته بحبور مفرط، فيلبس ملابسه الأنيقة بعد أن يتناول فطوره الذي تعده له زوجته، يقبل أطفاله قبل أن يغادر وبشته على ذراعه، ثم يركب السيارة إلى العمل حيث يستقبله زملاؤه بالترحيب، بعد أن ينجز مهام عمله يعود إلى قصره ليجد السعادة تستقبله متمثلة في اهتمام الزوجة وقبلات الأطفال .
هكذا يحدّث فالح المارة عن حياته، بينما هو يسكن بيتاً من الطين في زاوية لهجرة على طرف إحدى القرى البعيدة عن المدينة، بعد أن ذهبت بعقله حادثة سيارة نقل طلابي مات خمسة من رفاقه من أبناء تلك الهجرة في المرحلة المتوسطة أثناء عودتهم من المدرسة التي تبعد عن الهجرة ما يقرب من ثلاثة عشر كيلاً .
ذهب عقل فالح بعد أن رأى مصارع زملائه وحل محله عقل آخر يسيّر به حياته دون أن يكون له دور في الأمر.
كانت أحلامه قد صورت له الحياة الصاخبة بينما واقعه مليء بالسكون، الهجرة غادرها أهلها إلى المدن رغبة في حياة أفضل، وبقي فالح يعيش عالمه الحلم في بيت الطين، يذرع بين الحين والأخر مزارع متهالكة تحيطها الرمال، وكلما قرضه الجوع جر أقدامه إلى بقالة في القرية البعيدة، حيث يمنحه صاحبها على الدوام خبزاً وبعض اللبن والحليب المصنّع، ليعود إلى بيته الطيني وهو يشعر أن قصره بمن فيه أجمل ما في المدينة المتوهمة.