روضة الورد أو (كلستان) و (بوستان) ( The Gulistan (Rose Garden And The Bustan لشاعر الإنسانية سعدى الشيرازي ( 606-690) هجري

قراءة وترجمة وكتابة موجزة وتوثيق بقلم سليمان حماده

 

هو الشيخ مشرف الدين بن مصلح الدين السعدي  ، احد النجوم اللامعة في سماء الادب الفارسي نظرا لسلاسة وبلاغة وفصاحة لسانه …

في القرن الثالث عشر ميلاديا، وفي إحدى أشد الحقب اضطرابا في التاريخ الفارسي ، غادر الشاعر سعدي الشيرازي مسقط رأسه شيراز للدارسة في العراق ،

درس في بغداد على الاساتذة الكبار  الشيخ شهاب الدين السهروردي من كبار الصوفية وابي الفرج بن الجوزي وغيرهم

وجاب بعدها مشارق الأرض ومغاربها، ولم يعد إلى شيراز، مدينة الورود والبلابل، إلا بعد ثلاثة عقود، وكانت المدينة آمنة أنذاك بفضل حكامها الترك، الذين نجحوا في حماية المدينة من هجمات المغول بعد أن أشاعوا الرعب في جميع أنحاء إيران.

يعتبر في طليعة شعراء الانسانية وله في الحياة نظرات صادقة نتيجة عمق خبرته وصدق تجاربه التي اكتسبها خلال رحلاته ومعاشرته لاقوام تباينت اوطانهم وتنوعت طبائعهم .لا شك انه كان نافذ البصيرة ومرهف الحس رقيق القلب وتشبعت نفسه بالاحساس الانساني بكل معانيه

يكتب شعره ويعرضه عرضا جذابا في ثوب من روحه الصوفية الصافية ، حكاياته جميلة مرتبة المكان والادوار ، و في الوان واشكال قريبة من الحكمة والروح التعليمية الاخلاقية . اختلط بالعلماء من كافة الطبقات والاطياف والعوام والصوفية والملاحدة والبراهمة والسنيين ومختلف اهل المعارف والعلوم…

عاصر محنة غزو المغول لبلاد خوارزم مما فرض عليه الذهاب الى الاناضول وزار الشام ومصر ثم العراق قبل ان يعود ويستقر في مسقط راسه شيراز . تخطت سمعته إلى عدد كبير من مناطق وأقاليم العالم الاسلامي وبلغت الغرب الاوروبي أيضاً، حيث صنف كأحد أبرز الشعراء القروسطيين الكلاسيكيين.

تميزت كتاباته بأسلوبها الواضح وقيم أخلاقية رفيعة، مما جعله أكثر الكتاب الفرس شعبية.

آثاره الادبية :

كتابه (البستان)  غاية في الابداع وفي الديوان ترى ” شاعر انساني ومعلم اخلاقي.

نشر مصنف اخر هو كلستان او (جلستان) ويعتبر من اجود ما كتب في النثر الفارسي ويتطابق  مع عنوانه (روضة الورد)…

فيه القصص والامثلة والحكم والنصائح الاجتماعية والاخلاقية في عبارات متينة ولطيفة”

اما غزليات السعدي فيمكن القول انه ” مبتكر فيها وقد تضمنت ابدع الاحاسيس في روح الصوفية ولم يبلغ شاعر اخر ما بلغه الشيرازي”

ويلاحظ القارئ ان السعدي اندمج في حكم رجال الصوفية الا انه لم يكن من الذين ” نفضوا ايديهم من شؤون الحياة او الذين لجأوا للاعتزال بل كان يمتلك لطافة افكارهم واشراق نفوسهم في حياة معتدلة وعمل متزن”  .

وكان تاثيره الادبي والاخلاقي لا حد له في العالم اجمع وان بعض الشعراء المشهورين الذين جاؤوا بعده مثل ‘ عبد الرحمن الجامي وحافظ الشيرازي ‘ قد وضعوه موضع الاعجاب والتقدير وأحلوه بينهم محل الفضل والاجلال . وقد بلغت شهرته العالمية بان نقلت وترجمت اعماله واشعاره الى معظم اللغات الحية.

نظم الشعر بالفارسية والعربية وكان من شدة تأثر سعدي باللغة العربية أن اعتبره بعض النقاد الأدبيين أحد أبرز المؤثرين بالقصيدة العربية من ناحية ما أدخلته أشعاره من نظم موسيقية جديدة عبر اقتباس النظم العروضية الفارسية. له قصيدة معبرة في رثاء لبغداد يوم سقطت بيد المغول عام ٦٥٦هجري… ويقول فيها:

حبست بجفني المدامع لا تجري

فلما طغى الماء استطال على السكر

نسيم صبا بغداد بعد خرابها

تمنيت لو كانت تمر على قبري

من اجمل اشعاره في الغزليات الصوفية اختار منها :

قال لي المحبوب لما زرته

من ببابي قلت بالباب انا

قال لي أخطأت تعريف الهوى

حينما فرقت فيه بيننا

ومضى عام فلما جئته

أطرق الباب عليه موهنا

قال لي من انت قلت انظر فما

ثم الا انت بالباب هنا

قال لي احسنت تعريف الهوى

وعرفت الحب فادخل يا أنا

ويقول في ابيات يصف المشاعر واللقاء بالحبيب …

بكت عيني غداة البين دمعاً

وأخرى بالبكا بخلت علينا

فعاقبت التي بالدمع ضنت

بأن أغمضتها يوم التقينا

وجازيت التي بالدمع جادت

بأن أسعدتها بالوصل حينا

يقول عباس الخليلي النجفي : أن الشيرازي { كان يحب العرب كثيرا ويفضلهم على جميع الامم } حتى على بني قومه .. ترك الشيرازي ديوانا بالعربية قوامه ٣٥ قصيدة ومقاطع في ٣٠٠ بيتا اضافة لشعره الغزلي … ومنها هذه القصيدة:

اصبحت مفتونا بأعين أهيفا

لا أستطيع الصبر عنه تعففا

والستر في دين المحبة بدعة

أهوى وإن غضب الرقيب وعنفا

وطريق مسلوب الفؤاد تحمل

من قال أنه من الجفاء فقد جفا

دع ترمني بسهام لحظ فاتك

من رام قوس الحاجبين تهدفا

كيف السبيل الى الخيال برقدة

والطرف مذ رحل الأحبة ما غفا

هذا وما السعدي اول عاشق

انت اللطيف ومن رآك استلطفا

ورغم أن هذا الشاعر كان قد ذاع صيته في المنطقة آنذاك، فإنه شعر أن حياته ضاعت سدى، وعقد العزم على أن يلزم الصمت إلى أن يموت. ولم يثنه عن عزمه سوى إصرار صديق له.  ففي فصل الربيع، كان الصديقان يتنزهان في إحدى الحدائق الفارسية في شيراز، واندهش سعدي حين رأى صديقه يجمع الورود والأعشاب في أطراف ثوبه، فخاطبه بأشعار على شكل رباعيات الخيام قائلا إن هذه الأشياء الزائلة لا يدوم عبيرها إلا لفترة قصيرة، ووعده في المقابل بتأليف كتاب “روضة الورد”، الذي يجمع بين المتعة والتثقيف وستبقى صفحاته خالدة إلى الأبد.

وقد أوفى الشاعر بوعده ونشر كتاب”روضة الورد” ويعد واحدا من أشهر الأعمال في الأدب الفارسي ولا يزال صداه الانساني يتردد منذ قرون عدة .

واخترت هذه الابيات الرائعة للدلالة على احساس الشاعر الانساني …

“آدميون نحن ولنفس الأصل ننــــتمي

فكيف نهنأ بالعيش والغير يألمُ

ما استحق الحياة من يرى أخاه يشقى

وهو بالملذات والخيرات ينــعمُ”

وقد ألف كتبه كما ذكر في رعاية حكام شيراز السلغوريين ويتحدث سعدي في كثير من الاحيان عن ” السلوكيات الملائمة للملوك والوزراء، وأفاض سعدي الحديث في كتاب “البستان” عن الرضا والامتنان والإحسان والتواضع، بينما يتضمن “روضة الورد” قصصا عن مواعظ الزهاد، والخبرة والتجارب” .

ويرى سعدي أن الحرمان أفضل من أن يمد المرء يده للآخرين ويستدين. ويقول إننا ينبغي أن نتوخى الحذر فيما نتمنى، فقد تجعلنا أمنياتنا أسوأ حالا.

ويرى أننا قبل أن نتهم الآخرين، يجدر بنا أن نحاسب أنفسنا، وأن “السكوت من ذهب، وأن الثراء الروحاني خير من الثراء المادي، وأن القدر أقوى من الإرادة”.

وكتب في “روضة الورد” يقول: “إن كذبا يولد مصالحة خير من صدق يولد المتاعب”.

ذكر في كتابه روضة الورد انه وقع اسيرا في يد الصليبيين في سوريا وزار الهند والصين وفلسطين والجزيرة العربية اضافة الى خراسان … ولهذا يحمل “البستان” و”روضة الورد” الكثير من سمات قصص الرحلات والمغامرات في ذلك الوقت، فلا تخلو هذه القصص من وصف لقطّاع الطرق والبحارة والقتلة والحكام المستبدين، وتضم أيضا بعض النوادر والقصص الطريفة.

ولا تزال أبيات أشعاره عن وحدة البشر من كتاب “روضة الورد” تزين السجادة الفارسية بمركز الأمم المتحدة في نيويورك،.

بنو آدم جسد واحد

إلى عنصر واحد عائد

اذا مس عضوا أليم السقام

فسائر أعضائه لا تنام

اذا انت للناس لم تألم

فكيف تسميت بالآدمى  ؟

وفي مقطع اخر في الكتاب داعيا للسلم و وقف العنف والحروب يقول:

واذا امكنك باللين والسياسة … فتح الديار

فلا تسفك دماء الناس … بالحرب والتدمير

فأنى لأقسم  بحق الرجولة … والصفاء

أن الأرض كلها لا تساوي… مسيل الدماء

يحتوي كتاب ” البوستان ” على عشر ابواب ومقدمة ارادها الشيرازي ليرسم الاهداف العليا للانسان المثالي . اعتمد على القصص والشعر لايصال رسالته للجميع حول كل جوانب الحياة اي دستور لحياة عادلة وحكومة عادلة قادرة والتجاوب بين الحاكم والمحكوم ..لقد صور عصره ليدل على ما وصل اليه من الانحلال والفساد بقوله:

كم اردنا ذاك الزمان بمدح

فشغلنا بذم هذا الزمان

اما حول مدى  انقلاب الاوضاع الاجتماعية اشار اليها شعرا :

رايت الدهر يرفع كا وغد

ويخفض كل ذي شيم شريفة

كمثل البحر يغرق كل در

ولا تنفك تطفو فيه جيفة

وفي مكان اخر يصف هذا الانقلاب في كل الامور مؤكدا:

صار كل واحد من السوقة

في زي اهل الفسوق أميرًا

حتى انه اراد فضح الانقلاب الاجتماعي بين الناس حيث الفساد والنفاق والانحلال عندما يقول …

( كل شيطان نائب ديوان ، وكل خسيس رئيسا ، وكل جاهل كاتبا ، وكل غادر قادرا)… وفي الكتاب اراد توجيه رسالة للحاكم بجرأته المعهودة حيث يقول:

يا سعدى ! لا تسلك طريق التكلف

فإن كنت صادقا ، فهلم ، للانصاف

إنك لتعرف الطريق والمليك خلفك سالك لها

وإنك لتنشد الحقائق ، والمليك سميع لها

كان سعدى الشيرازي متجردا عن الهوى ، ومن الحاجة ، ومترفعا في مطالبه ،شجاعا ،مقداما ، ناصحا للملوك حيث يقول عن نفسه !!

” يا سعدى ! لقد تشجعت في القول

وما دام السيف في يدك فهيا للنزال

وقل كل ما تعرفه فمن الخير ان تقول الحق

فلست مرتشيا ولا من ارباب النفاق

إن الطمع قيد، فاقطع هذا القيد

واقضي بحكمتك على الطمع وقل كل ما تريد”  …

لقد وهب نفسه لاصلاح المجتمع وجعل طريق هذا الاصلاح كتابه ” البوستان “.

العالمية في شعره و بعض اراء الكتاب الاوروبيين في كتبه واشعاره واخترت موجزا لها

وصفه اللورد بايرون ان ” سعدي الشيرازي هو شاعر فارس الأخلاقي” .

بالرغم من شدة الاضطرابات حينها استمر الشيرازي بغرس السمات النبيلة والاخلاقية بنفوس قراءه لشدة ايمانه وامله في البشر وقد شغلت القيم الاخلاقية والاداب الانسانية معظم كتاباته

ويقول ان ” الرجل الحر الذي يأكل ويتصدق خير من العابد الذي يصوم ويكنز ماله”…

ويقول ديفيد روزينبوم في مقدمة ترجمة “روضة الورد” إلى اللغة الإنجليزية في القرن التاسع عشر: “إن القارئ قد ينسى أنه يتعلم شيئا، وكأن دواء شعر سعدي مغموس في العسل”.

وكان سعدي من أوائل الشعراء الفرس الذين تصل شهرتهم إلى أوروبا، وترك أثرا واضحا في كتابات أدباء عصر التنوير والعصر الرومانسي في فرنسا وخارجها، ومنهم فولتير ودنيس ديدرو، ويوهان غوته وفيكتور هوغو، الذي اقتبس بعض فقرات من “روضة الورد” في ديوانه “الشرقيات”. وكان تأثيره واضحا في رواية “زديغ” لفولتير.

ويقول دكتور مظفر بخراد في كتابه “حظوظ سعدي الأدبية في فرنسا”، “إن شخصية ملك سرنديب ووزيره والمجتمع المثالي كلها مستلهمه من أعمال سعدي”. ويرى أن فولتير وجد في سعدي الشيرازي مرشدا حقيقيا في الفلسفة، إلى درجة أن “عدوه اللدود إيلي فريرون، كان يستخدم اسم سعدي للإشارة إلى فولتير في نقده اللاذع لأعماله”.

وكتب الشاعر رالف والدو إيمرسون في الولايات المتحدة، قصيدة ثناء في سعدي، وأطلق عليه اسم “باعث البهجة في نفوس الرجال”، وعلق على الجاذبية العالمية لحكمه التي تدعو للخير والإحسان باللهجة الفارسية، قائلا: “إن سعدي يتحدث بلسان جميع الأمم، وكشأن، هومر وشكسبير وثيربانتس وميشيل دي مونتين، ومونتينيو، فإن كتاباته تصلح لجميع العصور”.

الشيرازي شاعر  الانسانية:

والجانب الانساني لديه ليس قاصرا على طائفة دون اخرى ولا على جنس دون جنس اخر ولا دين دون دين بل انسانيته عالمية وهو شاعر الجميع … ومن هنا راى الذين ينادون بالسلام ان يختاروا بعض ابياته شعارا لاحدى مؤسساتهم الاولى للسلام الدولي – عصبة الامم .

لكن ما الذي يمكن أن نتعلمه اليوم من دروس سعدي، إذ تضمن الكتابان “البستان” و”روضة الورد” بلا شك عدة نصائح

فقد حض سعدي قراءه في “البستان” على أن يكونوا كرماء مع المحتاجين، “حتى لا تطرقوا أبواب الغرباء”.

وقال: “إن لم تستطع حفر بئر في الصحراء، ضع على الأقل مصباحا في ضريح”.

وذكرنا سعدي بأن ما نحتاجه أقل بكثير مما نأمله.

وعندما قال ناقدا لأحد الأولياء إنه سيبني له منزلا أفضل، سأله الولي: “وما حاجتي بالسقف المرتفع؟ إن ما بنيته يكفيني للسكن وسأتركه حتما عند موتي”.

ومرت سنوات عديدة منذ أن ألف سعدي الشيرازي “روضة الورد” و”البستان”، لكن، كما توقع بعد عودته إلى شيراز، حيث يوجد قبره وسط روضة غناء، فإن صحفات هذه الكتب الفارسية المليئة بالحكم والمواعظ ستبقى أثرا خالدا،

او كما قال سعدي:

“عمر هذه الأزهار مهما طال، فهو قصير، لكن هذه الروضة ستظل قطوفها عطرة أبد الدهر” .

***

المصادر

كتاب : بوستان. ترجمة د. محمد هنداوي 

كتاب : روضة الورد ( كلستان )

كتاب كلستان سعدى ( باللغات فارسية انكليزية عربية فرنسية) بقصد الترجمة والمطابقة

اترك رد