أغبيٌّ أنا، أم صَبور !؟(6)

بقلم: الأديب إيلي مارون خليل

 elie-111أمّا الآن، وبعد هذا الجهد المُضني، أتوصّلتُ إلى جواب، أم لا أزال دائخًا، حائرًا، أبحثُ عن جوابٍ لا أجدُه؟ أم أنّي وجدتُه، ولا أريدُ الاعترافَ به؟

        لا يهمّ مهما يكن!

        لماذا؟

        لأنّ معرفتي، ومعرفتك، والمعرفة، بالمُطلَق، لا تُجْديني، ولا تجديك، ولا تجدي أحدًا، في شيء. أيّ شيء!

        معرفةٌ لا تُفيد، ما قيمتُها؟ أتتمتّع بقيمة، أو دور، أو أهمّيّة؟ ما آفاقُها، هذه المعرفة؟ هل لها آفاق؟

        لا يتعجّبَنّ أحد. معرفةٌ لا تُفيد، تَراكُمُ غباوة. لمَ لا تُفيد؟ لأنّنا أمّيّون! فالأمّيّة ليست نقصًا في المعرفة، أبدًا ليست نقصًا في المعرفة؛ إنّها نقصٌ في الفَهم والاستنتاج والأخلاق!

        نعرفُ تاريخَنا الماضي البعيدَ، وهذا القريب، فماذا فهِمنا منه؟ ماذا استنتجنا؟ ماذا طوّرنا في أخلاقنا؟ ألا تزالُ رذائلنا هي ذاتها، عَبر التّاريخ: من كذب وتنكيل وتعذيب وتهجير… ومن استنفاعٍ واستِغلال وانتهاكٍ واقتلاع… ومن تهريب وتجارة وخطف وسَحلٍ… ومن نَحْر وذبح وإعدامٍ واستعلاء…؟

        مَن منّا فهِم تلك الأحداثَ، فلعنها وأبعدها إلى غياهبِ النّسيان؟ مَنِ استفاد منها، فدعا إلى تركِها والتّعالي فوقَها؟ مَنِ استخلص منها العِبَرَ، فدعا إلى عدم العوددة إليها؟ ألا نزال نشهد ونحاكي  أحداثَ الماضي اللا أخلاقيّة واللا إنسانيّة، والّتي لا يُقِرُّها عقلٌ، أو حكمة، أو منطق، أو عدالة، أو مساواة، أو أُخُوّة، أو أيّة قيمة من القِيَم الّتي بها نؤمن، وبها نبشّر، وإليها ندعو؟ فماذا نكون، إذًا!؟

        أُمّيّون، نحن، وإن كان منّا الأطبّاءُ والمُهندسون والمحامون والدّكاترة في كلّ اختصاص؛ والكُتّابُ والشُّعراء والمسرحيّون والصّحافيّون ورجالُ الدّين و… السّياسيّون… لا تنسَوا السّياسيّينن! إلخ. كيف يكون ذلك؟

        ألأمرُ في غاية البَساطة: هل استفاد أحدٌ من التّاريخ: بعيدًا، مُغرِقًا في الماضي، أم قريبًا عائدًا إلى عقدَين ثلاثة أو أربعة؟

        ألا نزال نرى، بل نحيا، الخوف من إحراق دواليب وقطع طرقات واقتحامات وغَدرٍ وخطف وقتل واغتصاب وتدنيس واقتِلاع وتهجير!؟

        فماذا نقول في ما يحصُل؟ ما نُسَمّيه: تَمَدُّنًا وحضارة وارتقاءً وتَجاوُزًا؟ أم نُسَمّيه فوضى غاباتٍ، يفترسُ فيها القويُّ الضّعيفَ، وتجتمع الكثرةُ مُجمِعة على الأقلّيّةِ، وإن نُخبَويّة، فتهاجم منازلَها ومتاجرَها ومَحالّها الكبيرة والصّغيرة وأحياءها الغنيّة والفقيرة ومعابدَها… فتنهب وتقتل وتغتصبُ وتُهَجِّر وتسلخ وتُحرقُ كلَّ ما تطالُه!؟

        أيّة معرفةٍ، هي، هذه “المعرفة!؟” أيّة ثقافة يتمتّع بها، متميِّزينَ، هؤلاء القوم!؟

        ألفارقُ عظيمٌ، عظيمٌ جدًّا، بين الذّاكرةِ والفَهم. بين الحفْظِ والتّحليل. ألذّاكرةُ انتِقائيّةٌ، خَوّانةٌ، لا تقيك الكُرهَ ولا الحِقْدَ ولا الحسدَ ولا الانتقام. والفَهمُ استيعابٌ وتحليل واستِعْبار. تجعلُك الذّاكرةُ خائنًا لماضيك، لإنسانيّتك، لجوهر الإنسان فيك، إذ تنتقي لك، من الماضي، ما يلائم مَراميها والرّغائب. فتقع، أنت، غبيًّا شديدَ الغباوة. تُبعِدك، هكذا، عمّا يجب أن تكون فيه وعليه وعاملا من أجله! فهل تكون عارفًا أم تكون أُمّيًّا!؟

        وعليه، لا أزال أتساءل: أغبيٌّ أنا، أم أنا صَبور!؟

اترك رد