الأديبة مريم رعيدي الدويهي تكتب: جميل الدويهي شاعر يرقّم أنواعه

 

 

١- نص الدويهي: الوردة الصباحيّة (النوع الرابع – نثر او شعر)

الوردة الصباحيّة تعلّمني…

بأقلام الأرجوان

وإيماء الشغف…

كنت أظنّ أنّ المعلّمة

تجلس عند جدار المدرسة

وفي يديها صنّارتان وخيطان

لصنع كنزة…

تراقبنا عندما نتشيطن

وأنا واحد من الشياطين الصغار…

تضربني على يدي

بمسطرة ليست من كحل

ولا من همس الأشواق

كما أنتِ…

معلّمة الموسيقى تغنّي

فنركض وراءها

جوقة من الناشزين…

البنات إلى اليمين

(كلّ واحدة أجمل من فيروز…)

والصبيان لصوص الشمال…

كورَس حضاريّ

بثيابهم الممزّقة

ونعالهم المفتوحة على الأفق الأغبر

أعشاشٌ للغربان…

يَغُصّ واحد منّا بالنغمة…

نطْرق على ظهره بشدّة

فتطول قامته…

ويصيح بفخر واعتزاز

من تحت قبّعة الصوف:

“بلَدي… يا ذهب السنابل…”

فترتجّ الحيطان…

نخاف على البلد أن ينهار

أو يسرقوا خزينته…

وتتحوّل الأغنية إلى بكاء

على الفقراء والفلاّحين

بينما اللصوص يحملون أكياسهم ويهربون…

في تلك اللحظة الحاسمة دائماً

نخشى أن نجوع

ونحن طعامنا خبز وزيتون

ولباسنا برد كانون…

وردتك الصباحيّة

تختلف عن كلّ هذه الكوميديا البشريّة…

أنيقة… مرتّبة

كصوتك المرمر

لا تتّسع لها مزهريّة…

ولا حديقة…

أزرعها في قلبي

وهو من حجر…

وفي رأسي المتمرّد على الخرافات…

أطبق عليها بأجفان خيبتي

وانتظاري

لأناس لا يجيئون…

***

٢-  المالوف ان ترقّم الغرف والسيارات، والشوارع.. . اما ترقيم الانواع الشعرية، فلأول مرة في تاريخ العرب يحدث ذلك. في استراليا يحدث وليس في بلادنا العربية…

وماذا تعني الارقام عند الدويهي؟

هو يحفظها عن ظهر قلب، فعندما تقول النوع الاول، يجيبك انه الشعر العمودي، واذا قلت النوع السابع، يجيبك من غير ان يفكر: المدوّر العامّي. وهكذا.

لا اعرف كيف يصنفون في عالم الشعر، وعلى اي اساس يقيمون الرتب والالقاب والمواقع، وهل من يكتب الانواع جميعا هو جزء من التصنيف؟

ربما يعتقد البعض ان التعدد يُفقد الشعر قيمته، لكن الدويهي يثبت ان هذا الاعتقاد خاطئ، وليس له اساس من الصحة على ميزان البرهان. وفي “الوردة الصباحيّة”  يكشف عن ابداع مختلف، متفرّع، غير محصور في سياق واحد، ففي حين ان العنوان المدخل موضوعه الوردة، فالنص يتفرع الى صور، وحكايات، ونصوص في قلب النص، فتطالعنا مشهدية المعلمة التي تصنع كنزة من الصوف وتراقب، ثم مشهدية التلاميذ، فمشهدية معلمة الموسيقى، وما يلحق بها من مواقف طريفة، وصولا الى ربط الاغنية بحالة البلد والانهيار والسرقات والجوع. كل ذلك في قالب لا يتجزا، تميزه لغة رشيقة تتنقل بخفة وذكاء من صورة الى صورة من غير تكلف، فيمتزج الفرح بالحزن، والغناء بالبكاء، والطفولة البريئة بغضب الحاضر ولعنة السياسة… فأين هي الوردة إذن، وما دورها؟

انها المعلمة التي اعطته دروسا،  وجعلته يقارن ويحلل، ويميز بين حالة وحالة، بين صديق وصدبق… لينتهي  الى تقديم صورة عن قلبه المن حجر، وعقله الذي لا يؤمن بالخرافات. وانتظاره لأناس لا  بجيئون. وهذه الميزات يدافع عنها بقوة، ويثبتها بالوقائع، ومن خلال تجربته الطويلة، ورحلته المليئة بالصعاب.

يبقى أن اشير إلى هيمنة النهج الدادائي الساخر من كل شيء، المتمرد على الاشكال المالوفة في الادب العربي في استراليا، والدويهي رائد الدادائية ووريثتها السوريالية في القارة البعيدة، وهما تعبّران اصدق تعبير عن شخصيته، وموقفه من المجتمع والحياة، وثقافته العميقة في الاتجاهات والمدارس الأدبية المختلفة، التي لا تخلو واحدة منها من تجاربه وحضوره.

اترك رد