الكاتب والأديب/ عبدالله مهدى
(رئيس لجنة الحضارة المصرية القديمة بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر ، ونائب رئيس النقابة الفرعية لاتحاد كتاب الشرقية ومدن القناة وسيناء … كاتب مسرحى وقاص، وباحث في الموروث ولي اجتهادات نقدية)
في إطار الندوة الشهرية للجنة الحضارة المصرية القديمة بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر ..وبرعاية ميمونة من المفكر الكبير الأستاذ الدكتور / علاء عبدالهادي “رئيس النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر ، والأمين العام للاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب” ..
أكد ضيف شرف الندوة الباحث والمبدع والإعلامى / محمد جراح .. على أن الدلائل الأثرية تبين بأن المصريين أول من بنوا السفن واستعملوها في القنوات والأنهار، ثم بعد ذلك في البحار، باعتبار أن الترع والقنوات والنيل كانت المجاري المائية الأقرب للمصري من البحر البعيد ….
وأوضح الباحث والمبدع والإعلامى / محمد الجراح.. أن بدايات صنع المراكب كانت متواضعة (جذوع أشجار –حبال من البردى أوالكتان والتي استخدمت في ربط جذوع الأشجار)، ومع تطور الصناعة أصبح للمصريين أساطيل، تضم مراكب وسفنًا قادرة على أن تمخر في أعالى البحار ..
وكشف المتحدث عن الدلائل والقرائن الأثرية (أوان فخارية عليها صور لسفن يرجع تاريخها إلى ما بين ٥٠٠٠ — ٧٠٠٠ ق.م) وقد تنوعت السفن (حربية — تجارية — جنائزية)…
وتعود أول صورة لمركب شراعى مصري إلى سنة ٦٢٠٠ ق.م ، وفيها ركبت السارية على شكل مربع منحرف أو شبه منحرف، واستخدمت الشراع المربعة التي تلائم الملاحة في النيل حيث تهب الرياح عادة من جهة الشمال …
وكشف باحثنا الكبير / محمد جراح على أن الٱثار التي عثر عليها في منطقة النوبة تؤكد أن المصريين وصلوا بمراكبهم إلى تلك البلاد في عهد ملوك الأسرة الأولى، ففي عصر “حور عحا” أول ملوك الأسرة الأولى، وجدت دلائل أشارت إلى وصول الجيوش والسفن المصرية حتى الجندل الثانى، وهناك لوحة في جبل “الشيخ سليمان، جنوب بوهين” ببلاد النوبة سجلت غزوة للفرعون “جر” الذي أعقب “حور عحا”.
وكانت أول بعثة بحرية في عهد الدولة القديمة والتي قامت بها أربعون سفينة أبحرت من سواحل مصر إلى بلاد فينيقية لاستجلاب خشب الأرز من لبنان، في عهد الملك “سنفرو”.
وأوجز المتحدث كلامه عن الأسطول المصرى، بتأكيد على أن مصر امتلكت أسطولا كبيرا زمن الدولة القديمة، وأن هذا الأسطول، ضم سفنا خاصة بالبحار وأخرى خاصة بالملاحة النهرية، كما أنها امتلكت أطقما فنية مدربة تدير هذا الأسطول، وكان أفراد البحرية لا يستغنى عنهم عكس نظام التجنيد في الجيش البرىي..
كما أوضح الباحث بأن الجيش في مصر القديمة كان ملكيا في تكوينه، وكان يتبع الحكومة المركزية وكانت الفرق تسمى “عبر” تتألف من شباب يقودهم رئيس يسمى “خرب”، الذي كان لقبا عاما ولم يكن لقبا عسكريا خالصا، كما أن الجيش في ذلك العصر كان مؤلفا من عدة فيالق، وكل فيلق كان على رأسه قائد جيش لقبه “إميرا مشع”، وكانت كل هذه الفيالق تحت سلطة رئيس أعلى (القائد الأعلى)، وتلك الوظيفة لا يتقلدها إلا رجل من كبار رجال الدولة …
وقد عرف عن الجيش المصري قدرته على التكيف والتطور، فالجيش يواجه أعداءه الذين كانوا ربما يستخدمون وسائل تزداد تقدما مع الزمن، وكانت السهام والرماح التى استخدمها المصريون منذ فترات ما قبل التاريخ مصنوعة من حجر الصوان المدبب، وظلّت على حالها دون تطوير، حتى استخدمت إلى جانبها أسلحة مصنوعة من البرونز والنحاس في عصر الدولة الوسطى …
كما أكد باحثنا على أن المصري كان تواقا عند الاستيلاء على أسلحة خصومه، ليس فقط لاستعمالها، ولكن أيضا لتطويرها وإنتاجها (كما كان الحال في المركبات في عصر الدولة الحديثة)…
***
دارت مناقشات من الحضور حول العسكرية المصرية وريادتها ، وقد أثبتنا بالوثائق والٱثار ذلك في الٱتي:
الجيش المصري أول جيوش العالم في استخدام الموسيقى ليسير الجنود على أنغامها في خطى منتظمة..
الجندى المصري أول من استخدم وسائل التخفية ( الكاموفلاج ) لكى لا يظهر للعدو في وضوح ، فكان يطلى غطاء رأسه وملابسه وأسلحته وعربته وجواده ، بطلاء ملون على نسق ما يفعل جنود اليوم..
أول من عقدوا مجلسا للحرب وقد أوردت ذلك في بحث لى منشور بجريدة القوات المسلحة ، فللمرة الأولى في التاريخ عقد تحتمس الثالث أول مجلس حربى لاستشارة قواده في وضع تفاصيل الخطة وقد وجد محضر الاجتماع منقوشا على الٱثار القديمة ، وخلص المجلس إلى رأى قائده بأن يأخذ تحتمس في حملته أقسى الطرق الثلاثة … وهنا يتجلى عنصرا جديدا استخدمه الجندي المصرى قبل غيره ، وهو عنصر ؛–
#### المفاجأة في الحرب :- فقد استخدم تحتمس الثالث أقسى الطرق الثلاثة وأكثرها وعورة ، لأنه توقع أن العدو يترقب تقدمه على أحد الطريقين دون هذا الطريق الوعر … وهنا يبرز مبدأ المفاجأة في خططه …
# أول من كتبوا ” يوميات قتال ” عندما وضع تحتمس الثالث خطة لغزو سوريا والقضاء على أعدائه في أسيا ، ومن حسن الحظ أن هذه الخطط والمعارك قد سجلت بأبلغ تفاصيلها وبقيت إلى يومنا هذا شاهدة على ريادة العسكرية المصرية ورسوخ قدمها في فنون الحرب وقد جرت العادة عندهم بتدوين ( يوميات قتال ) فبقيت حتى اليوم خالدة الأثر ، كتلك التسجيلات الرائعة التى زينت بها جدران معبد الكرنك وهى توضح سير حملة تحتمس ، وتجعل من ( مجدو ) موقعة كبرى ، من وقائع التاريخ الفاصلة ، لما دار فيها من ضروب القتال ، وما انتهت إليه من نتائج عظيمة …
وهذه الحروب تدل على بعد نظر في الاستراتيجية ، على أساس أن الدفاع يجب أن يكون بعيدا عن مقر الحكم ( الوطن ) …
تحتمس الثالث وخطة مشتركة لقوات البر والبحر :
–لم تكن الحرب التي خاضها تحتمس الثالث برية فحسب بل اشتملت على قوات بحرية وكان أو ل قائد في العالم يضع خطة مشتركة تتعاون فيها قوات البر والبحر ، بتوقيت دقيق وتعاون متبادل ، فاستخدم أسطولا كبيرا للنزول على ساحل فينيقيا متخذا من ذلك الساحل قاعدة تبدأ منها عملياته في بلاد النهرين ، وهى خطة لم يسبقه إليها أحد ….
هزيمة الأتراك عام ١٩١٨ م ، بخطة تحتمس الثالث :
–عادت معركة ( مجدو ) إلى الواجهة ، مرة أخرى بعد أربعة ٱلاف وخمسمائة عام وجرت على ذلك الطريق الذى سار عليه تحتمس الثالث ، فقد نسج الجنرال اللنبى على منواله ، وهزم الجيش التركى في نفس المكان عام ١٩١٨ م ، حين ألقى بخيالته في ممر عرونة مستوحيا خطة تحتمس الثالث وتجربة (مجدو الأولى)….
***
كل ما ورد عن تحتمس الثالث من مقال بحثى لى نشر بجريدة القوات المسلحة المصرية العدد ٣٣ السنة الثانية …
( الماضى والحاضر والمستقبل “تحتمس الثالث نابليون الشرق القديم” ص ١٣).