بقلم: كلود أبو شقرا
“الشجرة الزاخرة بالعطايا، تشكل مرجعًا هامًا لسر تجسد يسوع، بأوراقها الدائمة الاخضرار، تذكرنا بأن الحياة لا تموت”، هذا القول للبابا بنديكتوس السادس عشر يختصر المعنى الذي اكتسبته الشجرة عبر التاريخ وهو شجرة الحياة، وقد ورد هذا المعنى بالذات في الحضارات القديمة وصولآ إلى المسيحية، ولا عجب بعد في أن يرمز إلى آلهة الخصب بالشجرة، وأن تمتلئ من خيراتها جنة عدن (أي فرح)…
امتداد في التاريخ
تذكر الأساطير الفرعونيّة أن إيزيس إلهة القمر والأمومة وأوزيرس إله البعث ولدا من شجرة طلح التي تعتبر شجرة كل شيء حي. وتصور الديانات المصرية القديمة، شجرة الحياة تخرج منها أياد الهية مسؤولة عن العطاء والخصب، وتسكب ماء الحياة من إناء.
وفي الحضارة الفارسية يرد ذكر “شجرة العالم”، وهي شجرة ضخمة تحمل كل أنواع البذور، وحسب الأساطير، فقد تنازع عليها أهريمان، إله الشر الذي خلق ضفدعاً مهمته القضاء على الشجرة لمنع نمو بقية الأشجار على الأرض، وأهورامزدا، إله الخير، الذي وضع سمكتين تحرسان الشجرة. وبهذا، تقترب فكرة شجرة العالم الفارسية من فكرة شجرة الحياة.
قدست العبادات الكنعانية الطبيعة، باشجارها ومياهها وجبالها، وكانت تُقام تحت شجرة وارفة، وإلى اليوم، تظلل الأشجار الوارفة المعابد. في التراث العبراني كانت امكنة القرابين “على كل أكمة عالية وتحت كل شجرة خضراء” (ارميا 2: 20).
أما الأشوريون فيعتبرون شجرة الحياة رمزاً دينياً مهماً، وظهرت في رسومهم على شكل عقد متصلة بخطوط متداخلة يخدمها ألهة برؤوس نسور وكهنة وحتى ملوك.
اعتبر البهائيون شجرة الحياة كرمز للمظهر أي الرسول، المعلم الكبير الذي يظهره الله للبشرية بين الحين والآخر. فالمظهر هو جذور وساق الشجره، بينما أتباعه هم الفروع والأوراق. أما الثمار فتدل على التطور والرقي.
في اليهودية، لشجرة الحياة مفاهيم عدة، ففي سفر الأمثال، ترمز إلى التوراة نفسها كما ترمز الى الحكمة والروية. أما في سفر الخروج فهي الشجرة التي طرد بسسببها أدم وحواء من الجنة حتي لا يتناولا ثمارها التي تمنح الحياة الأبدية. كما ذكر في سفر أخنوخ أنه في يوم القيامة، سيقدم الله ثمرة من شجرة الحياة لكل من ذكر اسمه في كتاب الحياة.
في بابل، كانت الشجرة تمثل كل اشكال الشجرة الكونية. إنها مقر إله الخصب والعلوم الحضارية، وهي مقر راحة الإلهة الأم، إلهة التكاثر والخصب للماشية والزراعة؛ وفي الرسوم البابلية الدينية تحيط النجوم والعصافير والحيّات بالشجرة الكونية.
الأكادية
يقول الأب سهيل قاشا حول مفهوم الشجرة في هذه الحضارة: “الأكادية تعني الألوهة، لأن الكلمة (ايلانا) مركبة من إيل – آنا، وتعني الاله أنا، وهذا بالفعل هو الحقيقة حيث إيلانا – إيل آنا – اله – الآله – الله. حيث أن الانسان الأول في وادي الرافدين – إن صح التعبير _ أول ما عبد، تعبّد للشجرة التي يأكل من ثمارها، ويبني بيته من جذعها وسعفها (اغصانها) ويتدفأ بحطبها، ويصنع من خشبها كل أدواته البيتية، فكانت بالنسبة له هي الحياة، وبهذا الاعتبار، تكون الشجرة هي الحياة المقدسة، أي حياة الألوهة الخالدة خلود الشجرة. وعليه فإن ربط الحياة بالألوهة، والألوهة بالحياة، تعني حياة الاله القادر على الخلق والابداع. ومن هنا ترتبط الفكرة بين الألوهة والحياة الى الله الواحد في التوراة، والتي يصبح فيها الله الخالق لكل الكائنات، والضابط الكل كما ورد في قصة الخلق الإينوما إيليش البابلية. وهي بالذات (شجرة الحياة – الايلانا) تنتقل إلى سفر التكوين (الفصل الثاني) حيث نعرف أن الله “أنبت من الأرض كل شجرة حسنة المنظر، طيبة المأكل، وكان من بينها شجرة الحياة”.
في الكتاب المقدّس
يقول الأب الدكتور بولس فغالي حول رمزية الشجرة في العهد القديم: “نصّ سفر التكوين، وقد كتب في القرن الخامس ق. م. افترض أن الانسان مائت: فالخبرة لا يمكن أن تخطئ (تك 2:7؛ 3:19). أما شجرة الحياة فهي امتياز قد يحصل عليه الانسان بنعمة الله، كامتياز الخلود. وهذا الرمز يرتبط بمجموعة صور مثل جنة عدن والفردوس… في هذا الإطار، يتحدّث حزقيال النبيّ عن أشجار مثمرة، زُرعت على شاطئ المياه التي تخرج من المعبد: الثمر للطعام، والورق للشفاء (حز 47:12). لا كلام هنا عن الخلود. ولا في سفر الأمثال الذي يقول: “شجرة حياة للمتمسّكين بها (= أي الحكمة)، ومن يتمكّن منها فهنيئاً له” (3:18). ونقرأ في أم 11:30: “ثمرة الصديق شجرة حياة، ومن كان حكيماً ربح الناس”. ومع ترجوم نيوفيتي (ص 35) نستطيع أن نقرأ: “فالشريعة هي شجرة حياة لكلّ من يدرسها. ومن يحفظ فرائضها يحيا ويقوم، مثل شجرة الحياة، في العالم الآتي. الشريعة صالحة للذين يمارسونها (يفلحونها، يدرسونها) في هذا العالم، مثل شجرة الحياة..
واستعاد سفر الرؤيا هذا الرجاء الذي يتحقّق في النهاية. وهي نهاية دشَّنها يسوع بحياته وموته وقيامته. اغلِق الفردوس، وقُطع الطريق إلى شجرة الحياة (تك 3:24)، وها هو يُفتَح من جديد. وثمارُ شجرة الحياة تقدَّم للغالبين، للذين شهدوا انتصار المسيح في العالم (رؤ 2:7)، وللذين غسلوا حللهم (رؤ 22:14)، أي تنقّوا بدم المسيح. وهكذا تكون شجرة الحياة رمزاً إلى الحياة الأبديّة كما نعيشها منذ الآن في الحضور الالهيّ.
بعد أن يذكر سفر التكوين شجرة الحياة،يقول: “وشجرة معرفة الخير والشرّ في وسط الجنّة” (تك 3:9). ونحن نظنّ أن هناك توازياً بين شجرة وشجرة. فالانسان لا يصل إلى شجرة الحياة إلاّ إذا قبِلَ العبور في شجرة معرفة الخير والشرّ، فيكتشف أنه انسان محدود. في الواقع، أراد الإنسان أن يكون مثل الله. يعني: أن يكون خالداً. أن لا يموت. أن يعرف ما يعرف الله”…
يرد ذكر أنواع عدة من الشجر في الكتاب المقدس ويحمل كل نوع دلالة محددة:
– النخل: “الصديق كالنخلة يزهو” (مز12:92). إشارة إلى المؤمن الذي يحيا في العمق فيرتوي من ماء الروح القدس ويمتلئ. وسعف النخيل علامة النصر (رؤ9:7).
– الأرز: يُشير إلى الحياة الممتدة إلى السماء أو الكبرياء.
– السنط : خشبه قوي وناشف لا يسوَّس، لذلك يرمز إلى جسد المسيح.
– الكرمة: هي جسد المسيح الذي يسري فيها دمه حياة لها (يو15).
– التينة: تُشير إلى الكنيسة التي يحب كل أفرادها بعضهم البعض، أمَّا لو أشارت إلى الخطيئة فترمز إلى الرياء ومحاولات الإنسان الفاشلة لستر عريه.
– الرمان: لون عصيره كالدم المبذول لأجل المسيح (الشهداء).
– شجرة الحياة: هي الاتحاد بالمسيح، والمسيح هو الحياة (رؤ7:2)، وكان معروضاً على آدم أن يأكل منها ويحيا للأبد، فالله قال له من كل شجر الجنة تأكل، إلا شجرة معرفة الخير والشر، ولكنه فضَّل شجرة معرفة الخير والشر على شجرة الحياة فمات. وتجسد المسيح ليتحد بنا ثانية فيُعطينا حياة.
– التفاح: إشارة إلى جسد المسيح (نش2).
شجرة الزيتون
ذكرت قصة طوفان نوح في الكتب السماوية ( الأسلامية ، المسيحية ، اليهودية…)، ومفادها أن المياه قد غمرت الأرض قاطبة، وبعد هدوء الفيضان أرسل النبي نوح الطيور ليفتشوا عن مكان ظهور اليابسة، فكانت الطيور تغادر السفينة عدة مرات وتعود دون جدوى، وفي النهاية أتت الحمامة وهي تحمل بفمها غصن زيتون مبشرة بالسلام رمزاً لانتهاء غضب الله عن الأرض، فعلم أن الطوفان قد انتهى وباستطاعته أن يعود بسفينته الى الأرض.
منذ ذلك الوقت اعتبرغصن الزيتون شعاراً للسلام والأمان، ومازالت الشعوب تتناقل هذا الرمز جيلاً بعد جيل حتى جعلته الأمم المتحدة شعارها .
شجرة الزيتون أول شجرة نبتت في الدنيا، وأول شجرة نبتت بعد الطوفان، وظللت منازل الأنبياء والأرض المقدسة ، ودعا لها سبعون نبياً بالبركة من بينهم: إبراهيم، محمد الذي قال: “اللهم بارك في الزيت والزيتون”.
ورد في قاموس الكتاب المقدس دائرة المعارف الكتابية المسيحية: “يعيش الزيتون مئات السنين ويحمل في الشيبة كالأرز وكالنخل (قرن مز 92: 12 و14). أما معاصره فكانت منقورة في الصخر (اي 29: 6) كما تشهد بذلك الآثار أيضاً في تلك البلاد. مرات كانوا يدوسون حبوبه بالرجل (مي 6: 15). وقد استعمل خشب الزيتون في صنع بعض أجزاء الهيكل ومتعلقاته (1 مل 6: 23 و31 و33). أما تطعيم الزيتونة في البرية في زيتونة جيدة فيشير إليه بولس (في رسالة رومية 11: 17-24) مصوراً دخول الأمم إلى الإيمان، وتغيير الطبيعة الشريرة بالتطعيم بطبيعة أخرى يشير إلى عمل النعمة في القلب البشري الشرير.
يورد كتاب تأريخ القدس( الجزء الأول) أن اليهود عندما جاءوا إليها أي الى القدس كان في البلاد أنواع عديدة من الفواكه والثمار من بينها: التين، الزيتون، الخوخ، العنب والرمان . وتشير البحوث الى ان اليهود أستعملوا أغصان الزيتون لبناء العرش في عيد المظلة”.
يذكر الإنجيل الزيتون في 140 موضعاً ، فالسيد المسيح تألم على جبل الزيتون، ويرد زيت الزيتون في مثل العشر عذارى الحكيمات والجاهلات وغيره، وعلى لسان الرسول يعقوب: ” أمريض أحد منكم ، فليدع شيوخ الكنيسة فيصلوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب”، وفي إنجيل مرقص: “واخرجوا شياطين كثيرة ، وادهنوا بزيت مرضى كثيرين تشفوهم” .
كان زيت الزيتون يستعمل في مراسيم تتويج ملوك اليهود القدماء، كذلك عندما مسح صموئيل كأول ملك على إسرائيل كان الزيت يملا القارورة.
مازالت عادة تقديم الزيت للأماكن المقدسة مستمرة، وكثيراًَ ما تشاهد نار مشتعلة أمام ضريح قديس وفي الكنائس، كذلك يستعمل في تكريس الكهنة والأشياء المقدسة : (تك 28: 18، 35: 14، خر 29: 7 و21 و23، لا 2: 1- 7، عد 4: 9، 1 صم 10: 1، 16: 1 و13، 2 صم 1: 21، 1 مل 1: 39، 2 مل 9: 1 و3 و6، مز 89: 20) وفي تكفين الموتي: تذكر البرديات المصرية القديمة هذا الأمر، ولكن لا يرد ذكر مباشر لهذه العادة في العهد القديم. وقد أشار المسيح إليها في ما يختص بدفنه (مت 26: 12، مرقس 14: 3- 8، لو 23: 56، يو 12: 3- 8، 19: 40).
جبل الزيتون
ورد في قاموس الكتاب المقدس دائرة المعارف الكتابية المسيحية: “يشرف هذا الجبل على أورشليم من الجهة الشرقية فترى من قمته كل شوارع المدينة وبيوتها، ولا شك في أن اسمه مأخوذ من شجر الزيتون الموجود فيه بكثرة وبعض أشجاره قديم العهد. يكثر ذكر الجبل في العهد القديم تحت أسماء مختلفة: جبل الزيتون، الجبل، الجبل الذي تجاه أورشليم، جبل الهلاك… وفي العهد الجديد يذكر في علاقته بحياة السيد المسيح.
على هذا الجبل صعد داود عاري القدمين وباكياً وهارباً أمام أبشالوم، وعلى هذا الجبل ظهر الربّ لحزقيال في رؤياه (حز 11: 23)، كما ظهر لزكريا بروح النبوّة واقفاً على هذا الجبل شافعاً في شعبه (زك 14: 4). لطالما صعد المسيح إليه، وفي وقت نزوله منه قبل الصلب بأيام قليلة استقبلته الجموع بالهتاف والترحيب، وكان هو يبكي على المدينة ومصيرها القريب (لو 19: 37- 44)، وقد تحدث من سفح ذلك الجبل عن خراب الهيكل وتدمير المدينة (مت 24: 3 ومر 13: 3)، وقبل الفصح الأخير صعد إلى هناك حيث بستان جثسيماني في غرب الجبل. وقد كانت بيت عنيا وبيت فاجي في شرقه.
في الوقت الحاضر توجد مدينة صغيرة تسمى العازرية مكان بيت عنيا، حيث كان لعازر ومرتا ومريم ، وحيث أقيم لعازر من الأموات، وبالقرب من هذا المكان صعد المسيح إلى السماء (لو 24: 50 و51)”.
كلام الصور
1- شجرة الحياة في الميتولوجيا القديمة
2- شجرة الحياة في الكتاب المقدس
3- التينة رمز الخير والشر
4- شجرة زيتون في فلسطين
5- جبل الزيتون