المعرفة قتلت من عرف! قراءة في رواية “بيت ياجوري” للكاتب سمير فوزي

 

 

   الكاتبة صفاء عبد المنعم

 

يحاول سمير فوزي في روايتة “بيت ياجوري” أن يكتب التاريخ. ويرصد ماذا حدث من تغيرات جوهرية، نعم التاريخ. من خلال عين هانم المراقبة للشارع، ومن خلال عين الراوي العليم داخل النص.

بيت ياجورى

شارع الخلفاء،شبرا الخيمة

(قطعة من مصر في فترة تاريخية معينة)

قد تكون بعد حرب اكتوبر 1973 .

النص هو أزمة وطن.

أهم نقطة في العمل هي (المعرفة).

المعرفة التي قتلت من رجالات الدولة(أشرف مروان، الليثى)(سعاد حسنى، كمال الشاذلى)ومن أبطال الرواية العارفين(هانم/عارف، مراقب – عنتر/ عارف، صايع – إسلام/عارف،شيطان – الأستاذ نوار/عارف،فنان – أنتكا /عارف،من خلال عين الكاميرا، شهد/ عارف، أخرس)

مفتتح الرواية.

قراءة للنص(..كلُ في فلكِ يسبحون)

ثلاثة مرتكازات أعتمد عليها النص(الجنس،الدين،السياسة)

بيت ياجورى.

هو جمعة ياجورى صائد الدبابات والذي أسر عساف ياجورى في حرب 73 .

في هذا النص يحاول الكاتب من خلال التفاصيل اليومية الصغيرة أن يظهر أزمة(بيت في شارع في حى في دولة عميقة).

البطل ياجورى هو جمعة صائد الدبابات ماذا حدث له؟

أنتهكَ عرض بناته، سيطرة زوجته غناوى على القيادة، دروشة جمعة، موت شهد.

كيف قتلت المعرفة أصحابها؟

هانم هي الراوي العليم للمشهد

(المؤكد والمتفق عليه أنها لا تزال حية..المحير والذي لا يجدون له سببا هو تلكَ الغيبوبة التي دخلتها منذ لحظة السقوط) ص7.

من خلال هذا المقطع،نعرف أن المعرفة لا تموت، ولكنها ربما تظل في غيبوبة لفترة ما.

رغم أهمية هذا المقطع كمدخل للنص والذي نعرف من خلال الحكي أنه يقصد(هانم)ولكن من هو الراوي لهذا المقطع؟

أهو الزمن؟ أم هي المعرفة في المطلق؟ أم هو الكاتب نفسه الشاهد على العصر؟

هانم سقطت من البلكونة مثلما سقطت سعاد حسنى(السندريلا)

الفنانة التي هددت شخص ما بأنها سوف تقول ما تعرفه عن طريق كتابة مذكراتها. فقتلت.

(ليست سعاد حسنى ليسقطها أحد كما أسقطوا السندريلا من بلكونة البرج الشهير) ص9

في صفحتين لخص الراوي(الكاتب)تاريخ مصر المعرفي السري في زمن من يعرف يمت،

مثل :سعاد حسنى وأشرف مروان والليثي.

يقول الرواي

(سيظل السر خافيا لديها وحدها لماذا هانم رغم أنها لا تشكل خطراً ولا تهدد أحد، لأنها الراوي المشاهد العليم)

نلاحظ أن الأسرار مكنونة لا يعرفها سوى أصحابها والدافع إلى القتل سيظل لغزاً محيرا

والمعرفة أدت الى قتلهم جميعا

(ألم تسألوا أنفسكم يوماً ماذا وراء تلكَ القابعة خلف ستارتها تعرينا وتخترق مسامنا؟)

وفي مقطع آخر على لسان هانم

(ألم أجلس فوق رؤوسكم؟ أراكم من علٍ؟ أتسلل إليكم مفتشة في سرائركم؟)

هانم هنا بهذا المقطع نصبت نفسها إلهاً يرى ويراقب. (أجلس،مفتشة،أراقب)

ذكر الكلاب النابحة ليلاً.

(كلابكم جميعاً صورة واحدة والكلبة الوحيدة لا تتغير أبداً)

رأي هانم هنا يعني كلابا كثيرة والكلبة الوحيدة هي التي يعتليها كل الكلاب..هل تقصد الوطن؟

الراوي الذي يتبادل الموقع مع هانم يقول في ص13

(هانم..هي الراوي العليم، رغم غيبوبتها وأنفصالها الظاهري الغامض عن عالمنا)

مهم جدا الاعتراف بأهمية المعرفة وضروريتها رغم أنها قاتلة وهذه حيلة يبرئ بها الكاتب نفسه.

الراوي العليم هنا يدخل في النص أبطالا مشاهير مثل

(حميدة في زقاق المدق، زهرة في ميرامار)

( عرفت هانم كيف تملأ يومها بحياة الأخرين تتابع أدق تفاصيل حياتهم تراقبهم تتبع مساراتهم)

دائما في المناطق الشعبية نلاحظ أن الذي يراقب الناس ويعرف أسرارهم كى يسيطر عليهم فيما بعد(البلطجى، الحرامى،شيخ الحارة، الفتوة)

ظهور الثعبان في الحارة.

ثعبان الغواية/الشيطان سوف يلعب دوراً مهما في أحداث الحارة.

عارف جديد من نوعية مختلفة وليس بآدمي ولكنه يسيطر على من يريد إنه(شيطان الجنس).

تصرخ هانم (تعبان..خللوا بالكم)هانم هي أول من رأت الثعبان بحكم أنها أتخذت موقع الرقيب.

(يمر بين الأرجل أمناً مطمئناً، يتسلق سيقان النساء ويمر من بين أفخاذهن ويخرج فلا يصرخن، يصعد لأكتاف الرجال ويلتف حول رقابهم فلا يشعرون به)ص18

نلاحظ أنه رغم تحذير هانم من وجود

(ثعبان الغواية أو الخطيئة)

إلا أنها تبحث عنه فهو قد أغواها

(أصبحت عيناها أول خروجها للبلكونة تبحث عنه)

ظهور عنتر

(أخرم الطبق يا عنتر)

واسم عنتر يرمي بنا إلى معرفة قديمة بحكاية عنتر بن شداد الفارس المغوار المحب المطرود.

هانم ترى عنتر بعين مختلفة عن رؤية زوجته عطيات وأمه والناس.

(تتعاطف معه، تراه جدعاً شهماً حقانياً، لا يرضى بظلم، تشعر بوحشة له إن تأخر أو غاب فترة طويلة)ص21

عنتر يحمل جزءا من اسمه القديم، عندما يعرف أن عجايبى القزم هو من يضايق أم أبانوب وهو الذي سوف ينقذ شهد ويخرجها من الحريق.

هانم لها عين خبير بمعادن الناس لا تحكم ظاهريا

(تعرف أن طاسته عمرانه عندما يقف فوق عربة الطماطم يزعق بأعلى صوته يا ريتنى ما خرمت الطبق) ص21

عنتر يشبه هانم في معرفة الناس ومعدنهم وليس من خلال المراقب ولكن بمنطق  الصياعة

(أبوكِ نسي أصله الله يرحم أيام العربية بحمار)ص22

تغير جديد في المجتمع بعد الانفتاح الاقتصادي بائع الروبابيكيا ابو عطيات اصبح صاحب معرض للأجهزة الكهربائية.

ظهور طه المشحماتى.

عارف جديد ولكن بشكل مختلف عن هانم وعن عنتر.

نلاحظ الحوار الذي دار بين عوض الفرارجى ص24

وطه المشحماتى ص 25

  • منين يا عم طه؟

  • من مصر

  • ساكن فين؟

  • أرض الله واسعة

  • بتنام فين؟

  • بدل القصر عشرة

  • لما نعوزك نلاقيك فين؟

  • هاتلاقوني قدامكم

  • عدنك ولاد؟

  • كتير

  • عايشين معاك؟

  • بيسابقوا بعض في الدنيا.

طه المشحماتي النور المضيء الذي يبهر الناظرين لحظة ظهوره، نور المعرفة الربانية الصوفية ربما يشبه الخضر يظهر ويختفي، طه المشحماتى ليس مجذوباً ولا شحاذاً ولا يقبل الصدقة، هو فقط يشرب عصير القصب، ينام في أرض الله الواسعة، يشعر أنه يملك الدنيا ومن عليها وعن قناعة ورضا، من زهد ملك.

ظهور إسلام

والأسم هنا له دلالة على فترة جديدة(السلام الظاهرى)

عارف جديد، عايق، وسيم.

ثعبان بشري يتحد معه الثعبان إله الجنس. وهو يختلف كثيراً عن عنتر الشهم الذي خرم الطبق لعواطف لكى يتزوجها. إنما إسلام يعيث فساداً في الحارة في صمت. وبمباركة الثعبان.

ص28

(تعرف أن الأمهات يدفعن بناتهن لمحل ميخائيل ليلفتن نظر إسلام)

كلب واحد وكلبات عديدات.

أختلف الزمن.

هانم تعرف.

(أن إسلام يواعد البنات ويخرج معهن جميعاً دون علم الأخريات، يمنى كل منهن بالزواج عندما تتحسن الأحوال، فتصبر البنات وتعيش على أمل قريب)ص29

بما أن هانم تملك المعرفة من خلال المراقبة

(رأت هانم الثعبان يزحف بأتجاة البنت ويتسلق ساقيها ويدخل معها)ص31

أغلق إسلام الباب في وجه هانم وكأنه يقول لها كفاية معرفة ومراقبة إلى هنا.

(ظلت مكانها تستمع لصوت قطرات المطر تنقر فوق التندة أنتظاراً لخروج إسلام والبنت والثعبان)

قبلة مكأفاة من إسلام لهانم مقابل صمتها على الكلب الوحيد وسط البنات.

(تنتظر قبلة إسلام التي يرسلها إليها كل مرة كانه يشكرها على الصمت وتسترها عليه)ص32

الأستاذ نوار.

النور/الحب/الفن

المعادل المقابل لطه المشحماتى. عارف جديد ومختلف إنه الفنان المحب.

نوار الفنان الرسام المعلم في مدرسة البنات صاحب الإحساس المرهف.

(نوار بيقرا ويتفرج ويسمع ويقول لى)ص41

على لسان زوجته رضا.

نوار العارف الكلى للحقيقة.

(رأت الفراشات تغادر الحائط بأتجاه رضا تحوم حولها تتابعها مسحورة) ص 42

نلاحظ هنا أن هانم رأت فراشات الحب، وهي تطير حول الزوجة المريضة وتصاحبها بأختلاف الكلاب والثعبان عند إسلام. إنها الفراشات الجميلة، إنه الفن الإبداع.

في حوار بين هانم ورضا

  • كنتم بتحبوا بعض قوى

أحمر وجه المرأة خجلاً

  • ولسه أكتر من زمان.

الحب المختلف زمان عند نوار وزوجته هو ليس الحب الذي تراه هانم مع إسلام والبنات الآن

رضا زوجة نوار نموذج مختلف للبنت عن البنات اللواتي يحضرن عند إسلام في الدكان

( رأى في صمتها وخجلها الأنثى التي يبحث عنها ويتخيلها في لوحاته نموذجا للطهر والبراءة وبكارة الحياة)ص 49

كان هذا هو نموذج المرأة منذ خمسين عاماً مروا

(قال لها بعد ذلك أنه ظل يبحث سنوات عن هذا الوجه مثل الموناليزا التي حيرت دافنشى كثيراً وعندما أكتملت في خياله أبهرت العالم)ص50

ظهور عجايبى.

ثعبان بشري جديد موازى لإسلام يحركه الجنس.

(خجلت هانم من نفسها عندما رأت عنتر يجرى وراء عجايبي الجزمجي والثعبان يسبقه متعلقاً بقدم عجايبي)ص59

في ص 61

حوار بين عجايبي وأم أبانوب زوجة القس وعنتر

  • تعرفيه؟

  • أعرفه طبعاً، مش عارفة ليه عمل كدا.

رفع عجايبي عينيه في وجهها

  • أسألى جوزك

  • جوزها أبونا عبد الشهيد الرجل الطيب اللى كلكم بتبوسوا أيده.

عجايبي يريد الزواج من أخت القس ولكنه يرفض.

( أنا صحيح قصير بس راجل أكفي عشرين ست مع بعض)

  • حنيتى له عشان كوفتس زيك

  • تانى يا عنتر

في ص 64

يظهر رجل دولة جديد ومختلف عن السابقين يبحث عن سلطة للحماية يملك مصانع ضخمة للحديد ويطمع في سلطة تحمي ثروته، مقابل التضحية برجل دولة قديم كمال الشاذلى

(لم تتوقع أن يهزم المرض ثم الموت رجلاً مثله).

الموت كمداً.

موت آخر جديد ومختلف عن القتل في نفس الشقة السابقة.

ثم نلاحظ اختلاف شخصية أم أبانوب عن شخصية هانم وشخصية رضا زوجة نوار.

هانم تم بتر ثديها بسبب السرطان وتقف معها أم أبانوب والقس عبد الشهيد.

رضا مريضة طريحة الفراش يخدمها زوجها نوار.

أم أبانوب ترفض نصائح الأطباء من مخاطر السكر وتأكل الشيكولاتة حتى تضخمت وخاصة مؤخرتها التي كانت تثير عجايبى فيضربها عليها ويفر هارباً.

ظهور فنانة جديدة(هند رستم)ملكة الأغراء على الشاشة، هنومة في فيلم باب الحديد.

(هنومة دي أشقى وأطعم وألذ ست)

(طبعاً هند رستم في الفيلم بتاع قناوى وفريد شوقى)

نلاحظ وجود امرأة جديدة بين رجلين قناوى العبيط وفريد شوقى أبو سريع.

تصف هانم نفسها قديما وتعقد مقارنة بينها وبين هنومة.

ص73

( هنومة الكركوبة اللى قدامك كانت شقية ودلوعة زى هند رستم كنت مزة أكتر منها هند كانت مثيرة ومغرية على الشاشة، أنا كنت صاروخ في الحقيقة)

هانم تعقد مقارنة بمنطق الغواية والإثارة وتصنع لنفسها تاريخاً تختاره وتريده حتى لو كان زئفاً وبعيداً عن الحقيقة، تحكي أنها تزوجت كذبا وأنجبت بنتين وولد تحاول هانم أن تصنع أسطورة تاريخية حول نفسها وتوثقها كى تصبح حقيقة وعندما تكتشف أم أبانوب أن الشخصية الحقيقة للحكاية هي أختها، رفضت أن تفصح عن مكانها لهما.

دائما نلاحظ أن هانم ثبحث عن العثبان ص77

(تتلفت هانم حولها وخلفها تبحث عن الثعبان)

في هذه الرواية ومن خلال الراوي العليم الذي أمتعنا بالسرد من خلال عين هانم ويروي لنا أحداث شارع الخلفاء والذي يعتبر اسما محملا بدلالات كثيرة، والمأساة التي حدثت بموت الشباب في الأتوبيس(موت المستقبل أو الأمل) والذي يملكه أمين الشرطة زوج أبنة غناوى في فرح هاجر. السلطة هنا مختلفة تماماً عن السلطات السابقة سلطة تجارية أستفادت من خيرات الانفتاح ولم يعد دورها حماية وأمن الناس والوطن.

تنتهي الأحداث بموت شهد حرقاً، وأصابة عنتر الشهم الذي يحمل حزءًا كبيراً من صفات الماضي الذي تغير سريعا بعد الحرب، وكأننا كسبنا الحرب وخسرنا أنفسنا والقيم القديمة مثل الشهامة والرجولة والتضحية.

أما أنتكا حامل الكاميرا فهو يحتاج قراءة أخرى تختلف عن القراءة النسوية لهذا النص من خلال فك الشفرات.

 

اترك رد