صفاء محمد
( أديب وعضو انحاد الكتّاب-مصر)
قبل 13.5 مليار سنة كان الانفجار العظيم فخرجت المادة والطاقة والزمان والمكان، وبعدها ب 300 ألف سنة بدأت المادة والطاقة في الالتحام وتكونت ذرات، فاتحدت وكونت جزيئات، وقبل 3.8 مليار سنة اتحدت جزيئات على هذه الأرض لتكوِّن خلايا حيّة. وقبل 2.5 مليون سنة بدأ ظهور حيوانات تشبه البشر (البشر المنتصب على قدمين)، لكنّها لأجيالٍ طويلة عاشت مثل الحيوانات والطيور التي تشاركها الطبيعة، عاريةً وعلى فطرة الكائنات الحيّة كالبقاء والأمومة… إلخ.
بدأ الإنسان المكلّف (المسؤول) من نسل آدم قبل ٨٠٠٠ عام، وقد كرّمه الله وجعل كافّة المخلوقات لراحته وخدمته.
قبل 70 ألف سنة بدأ البشر يكون ثقافات (سمّاها الإنسان لاحقًا ب “التاريخ”) ظهرت في شكل ثورات.
ثورة ذهنية: بدأت قبل ٧٠ ألف سنة، واستمرّت بعد آدم.
ثورات زراعية: قبل ١٢ ألف سنة، ثم ثورة ٥٠٠٠ قبل الميلاد، ثم ثورة كبرى خلال القرنين (17) و (18) الميلاديين.
ثورة صناعية: في منتصف القرن السابع عشر وخلال القرن ١٨ الميلادي، واستمرت.
ثورة المعلومات: ١٩٨٠ م، ومستمرّة.
تكوّنت الحضارات (السومرية- الفرعونية- الفرس- الصينية- الهندية- الرّومانية- البيزنطية) واندثرت أخرى (المايا- السند- بويبلو- كاهوكيا- البولينينيون- الفايكنج- الهكسوس)، وبُنيت مُدنًا، وقامت دولًا وإمبراطوريات وتحالفات.
نشبت حروب وحدث احتلال واستعمار وخيانات وإبادات؛ نُهبت ثروات وخيرات البلاد والعباد باسم الرّب في معظم الحالات، قُتل الرّجال وسُبيت النساء وانتُهكت أعراضهن، واستعبد الأطفال واستُرقّ الرجال والنساء؛ فقد قسّم الطغاة الإنسان لفُسطاطيْن: نبلاء، وعبيد بعد أن ساوى بينهم الله في الخَلق والحقّ.
خلال هذه الرّحلة الطويلة، بُعث النبيون وأرسل الرّسل، كلًّا لقومه ومنطقته (باستثناء محمد)، كان دين التوحيد (الإسلام) منذ آدم (مرورًا بإدريس- نوح- هود- صالح- لوط- إبراهيم- إسماعيل- إسحاق- شعيب- يعقوب- أيوب- يوسف- ذو الكفل)، حتى جاء موسى وهارون لبني إسرائيل بالشريعة اليهودية (ولحقه إلياس وداود وسليمان واليسع ويونس وزكريا ويحيى وآخرون)، ثم جاء عيسى ابن مريم في بني إسرائيل بالمسيحية، حتى ختم الله بمحمد مرسلًا للناس جميعًا بالشريعة الإسلامية ليعودوا لدين الإسلام -الأصل- (دين التوحيد).
كذلك ظهرت ديانات وثنية، مثل الصابئة (موجودون منذ قبل إبراهيم)، والهندوسية (القرن الثامن ق.م.)، والبوذية (٥٦٠- ٤٨٠ ق.م.)، والجينية (منشقّة عن الهندوسية في القرن السادس ق.م.)، والسيخية (نهاية القرن ١٥ الميلادي)، والشنتوية في اليابان، والطاوية في الصين (القرن السادس ق. م.)، والكونفوشيوسية في الصين (القرن السادس ق. م.)، والمهاريشية (ستينيات القرن العشرين)، والمجوس (الكيومرثية- الزروانية- الزرادشتية- الثنوية- المانوية- المذدكية- الديصانية- المرقيونية- الكينونية والصيامية والتناسخية)، وأصحاب الرّوحانيات (الباسنوية- الباهودية- الكابلية- البهادونية).
كذلك ظهرت الأيدولوجيات السياسية التي تبلورت خريطتها في القرن العشرين إلى: الليبرالية في وسط المشهد وعلى يمينها المحافظة، ثم القومية، ثم الفاشستية، وعلى يسار الليبرالية تأتي الاشتراكية ثم الشيوعية، ثم الفوضوية أو الأناركية. وهناك مجموعة من الأيديولوجيات الجديدة مثل؛ النسوية والإيكولوجية والأصولية الدينية والتعدّدية الثقافية.
خلال تلك الرّحلة، تجد من البشر من ادّعى جهرةً الألوهية والرّبوبية، ومن الأقوام من تحدّوا الله جهرةً بالمعاصي والفجور والشرك، ادّعوا الثبات وأنكروا التطور والتغير والهلاك والفناء لكل الوجود؛ فأهلكهم الله (الباقي) وعاقبهم وتوعّدهم بالعذاب.
كان هدف التوحيديين والوثنيين والأيديولوجيين جميعًا هو الانتصار لمعتقدهم والوصول للمُلك والحُكم، ولو أهلكوا كل من هو ليس معهم على درب الاستغلال والاستحواذ والانفراد بالحاكمية، جميعهم رفعوا راية ربّهم.
وعبر الرّحلة من بعد آدم (بداية عهد الإنسان) لم تتغيّر الأرض بل تشكّل وجهها، ولم يتغيّر الإنسان من الناحية البيولوجية، ربّما أنه فقد كرامته أحيانًا لكن البناء والعمران استمر، ظهر الظلم والاستبداد والقهر لكن الإنسان استمرّ يُناهض من أجل حرّيته وكرامته التي فرض الله له، وعكف السياسيون على فاشيتهم وفسادهم، استمر الصراع بين مدٍّ وجزرٍ وبقي الإنسان القوي وهلك الضعيف.
معظم الطغاة في العصر الحديث قد رفعوا شعارات حقوق الإنسان الذي أبادوه بمكرِهم وباسم ربّهم (ديني أو أيديولوجي).
والآن، يريد البعض أن يأخذ الناس لأرضٍ جديدة وبشرٍ في نسخة ثالثة لا يمكن أن تكون إلا من خلال الله، لأن نسخة الإنسان الحالية جاءت بكلمة الله وستنتهي بكلمته.
إن لم يستفد السياسيون من كل ذلك التاريخ، وتحدّوا الله وعكفوا على قهر العباد، فلينتظروا كلمة القاهر فوق عباده.
“…كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ” (88) القصص.
كل ذلك وأكثر، وجميع تلك الصراعات بأشكالها كافّة عبر التاريخ، هي موضوع روايتي الجديدة “الصراع” منذ آدم حتى بدايات القرن الحادي والعشرين.