مازن معروف… “كيومٍ مشمس على دكّة الاحتياط”

 

تصدر قريبًا عن دار هاشيت أنطوان/نوفل  المجموعة القصصيّة «كيومٍ مشمس على دكّة الاحتياط» للكاتب الفلسطيني مازن معروف.

نبذة

كتابٌ واحد تجتمع فيه ذاكرة الحرب مع حاضرها ومستقبلها، أما أبطال القصص فمن الطفولة لكنهم يفكّرون كالكبار. يمكن قراءة كلّ قصّة من المجموعة لوحدها، ويمكن قراءة المجموعة كما لو أنّها قصّة واحدة ومتسلسلة. لا فرق، إذ تتوالى الأحداث بسرعة وتنتقل بسلاسة بين الفصول، ويبقى الخيال ركيزتها الأساسية. هكذا، سنقرأ عن أولاد يحملون أسماء أخذوها من الشوارع التي نشأوا فيها، ويستعرضون يومياتهم بعد نهاية القتال الأهلي في بيروت، فيكتشفون الملاكمة والدراجات الهوائية والرصاص وغرفة الكراكيب. يوميات تعبّر عن مزيج فريد من الأحلام، الخوف، وانتظار حدوث شيء ما.

من الكتاب: طلقات

أفلتَ منّي الدفتر في تلك اللحظة كأنّ يدًا ما اختطفتْه ورمتْه في الهواء إلى فوق. مددت يدي لألتقطه، فرأيت جسمًا صغيرًا يلمع متّجهًا صوبي مباشرةً.

كانت رصاصة. نازلة من السماء وسريعة كأنّها تنزلق على خيط موصول برأسي. وددت الالتفات صوب أمّي لإلقاء نظرة أخيرة عليها والتبسُّم مثلًا. لكن لم يكن هنالك وقت لأرمش حتى. فبالنظر إلى سرعة الرصاصة، مؤكّد أنّها ستخترق رأسي قبل خفقة قلبي التالية.

حبست أنفاسي وأزحت بؤبؤيّ لأنظر على الأقلّ إلى شيء آخر. وفي تلك اللحظة… اللحظة التي كان يُفترض بالرصاصة فيها أن تخترق جمجمتي، اجتاحتني قشعريرة مِن رأسي إلى أخمصي قدميَّ، لأسمع بعدها يدين تصفّقان مرّة واحدة… التَفَتُّ. لدهشتي، كانت سعيدة. «غبيّ!»، قالت… «كان يمكنك الانبطاح على الأرض». «الطلقة كانت سريعة جدًّا… لم أستطع»، قلت. «كان يمكنك تفاديها… فقد أتيح لك رؤيتها وهذه فرصة ذهبية لكنّك أخفقت». «آسف…»، قلت. «انظر»، قالت وهي تشدّني إلى الخلف.

كنت لا أزال أنظر إليها. استدرتُ إلى حيث أشارت بعينيها، فرأيت الرصاصة. كانت معلّقة في مكانها في الهواء ملّمترات عن رأسي. مدّت سعيدة يدها وقطفتها كما لو أنّها حبّة عنب ثمّ كدشتْ نِصفها. «يممم… طعمها كالكراميل بملح البحر. لذيذة جدًا. هل ذقتها من قبل؟». «لا»، قلت ولعابي يسيل، مضيفًا في تشوّش واضح «لا أحد يأكل الرصاص… أنتِ تستخفّين بي». «هذا لأنّك لم تحاول. خذ… حاذر فهي ساخنة. قد تلسع سقف حلقك. فهي تذوب حين تضعها في فمك»، قالت وهي تناولني نصف الرصاصة الآخر.

أخذتها من دون أدنى تردّد كأنّني فعلت ذلك عشرات المرّات من قبل ووضعتها في فمي. كان طعمها لذيذًا بالفعل.

اترك رد