“وطن النجوم، عفواً وطن العجائب والتمييز” (قصّة قصيرة)

 

 د. علي حجازي 

 

حزيناً،  أمسيت في هذا اليوم من أيام هذا العصر الملعون الذي طال أمد بقائنا أسرى في هذا النفق الطويل الذي حُشرنا فيه، أفكّر في خلاص ، في نجاة مما نحن فيه.

فتحتُ جهاز الهاتف فألفيتُ الاحتجاجات الكلاميّة، نعم الكلاميّة فقط على القرار  الأخير الذي أصدره الحاكم المتحكّم برقاب الناس، وبلقمة عيشهم شرعت أردّد:

أيشرب غيري وأبقى ظمي، وأرضى عن الشهد بالعلقم وأسكت والجور ملء البلاد ولا ماء يمنعني في فمي

دنا منّي حفيدي وقال:

-أرى الحزن مرتسماً على وجهك، وانت تردّد الشعر. ما الأمر؟

-ليس الحزن فقط،  بل خارطة  القهر  والجور والتسلّط والاستضعاف، والاستقواء والكيل بمكيالين، بل بمكاييل عديدة في وطن  يتحكّم بمصيره ومصائر شعبه شخص طمّاع وفاسد وارعن، في وقت تسارع فيه مجموعة من  المستفيدين منه ومن أموال الناس التي منحها لهم هبات وقروضاً ورشىّ، إلى حمايته(قلت مقاطعاً)

-جدّي اسالك عن البيتين اللذين ردّدتهما الآن فأجبتني بما تفضّلت به ، ما الآمر؟

-قديماً قال الإمام علي عليه السلام:

“وقام معه بنو أبيه  يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع “، وقال السيّد المسيح (عليه السلام)

“بيتي بيت الصلاة يُدعى انتم جعلتموه  مغارة لصوص”

-من الذي يخضم مال الله ؟ ومن هم بنو أبيه؟ ومن الذي حول بيت الصلاة مغارة لصوصٍ يا جدّي؟

-قلت لك، الحاكم  والذين يؤمِّنون الحماية له ولعصابة المصارف والكارتيلات العديدة. وبالعودة إلى سؤالك الأوّل أجيب:

بيتا الشعر اللذان سمعتهما  قبل قليل قالها الشاعر القاضي الشيخ علي مهدي شمس الدين قبل ما يزيد عن سبعين عاماً يصف فيهما واقعنا المزري والذي أضحى غير محتملٍ ابداً .

-غريب!

أين الغرابة في هذا يا عزيزي؟

-الشاعر وصف حاله وأوضاع الناس قبل تلك السنوات وأنت تقول : إنّه يصف حالنا؟

-ما أشبه اليوم بالبارحة يا حبيبي.

امّا القشّة التي قصمت ظهر البعير فأراها  متمثِّلةً بهذا القرار الذي أصدره الحاكم ،  والقاضي بدفع رواتب القضاة  بحسب سعر صرف ثمانية آلاف، في وقت تدفع رواتب الموظفين، ومن الفئات جميعها على سعر صرف ألف وخمسمائة ليرة للدولار الواحد. ومع ذلك لا أرى ردّات فعل منّا نحن مجموعة الضفادع البشرية التي اعتادت السكوت، وهي لا تجد ماءً للشرب ولا لغيره،  وتصمت صمت  القبور.

الناس في الوقت الذي كتب فيه الشاعر قصيدته المعنونة:

“صرخة جبل في واد” ويقصد جبل عامل الذي تلوّح أبناؤه، يومذاك عطشاً ، وأنهار الليطاني والوزاني والأولي تصبّ في البحر. أي إنّه كان يركّز على الشرب. أمّا نحن ففقدنا كلّ شيء  حتى الهواء الذي نتنشّقه بات ملوّثاً بدخان حرائق الغابات والقلوب .

والله يا حبيبي لا أعرف لمَ هذا التمييز العنصري ؟ أصيف وشتاء على سطح واحد؟

أما تعلم يا حبيبي أنّ أساتذة الجامعة هم من يدرِّسون القضاة وغيرهم ، فلمَ يستثنون مع موظفي هذه الدولة من عطاءات هذا الحاكم المطلوب للمثول امام القضاء؟

-أعانكم الله وأعان جيلنا الذي أصبح يتطلّع إلى وطن تسود فيه العدالة والمساواة لا شريعة الغاب والتمييز والاستنسابية وأعاننا الله على البقاء في هذا الوطن، وطن النجوم والعجائب.

قبريخا في  10/ 7/ 2022

 

اترك رد