“جنيف 2 “ولبنان

بقلم: د. عبدالله بوحبيب

abdallah-bou-habib-1سجل مؤتمر جنيف 2 فشلاً ذريعاً في الوصول الى حل سريع للحرب السورية يوقف الدمار وإهراق الدم. اسباب الفشل كثيرة ومنها:

اولاً: ان جنيف الاول عقد بين الاميركيين والروس في زمن كانت المعارضة السورية تتقدم على الارض والنظام يتراجع. ولم تكن هناك قوى اسلامية متشددة بالقوة التي نشهدها اليوم وخاصة في الشمال السوري. كانت موسكو يومذاك متحمسة لمؤتمر دولي يحفظ لها وللنظام السوري ماء الوجه.

ثانياً: غيّرت معركة “القصير” الواقع على الارض وبعدها اصبح معظم غرب سوريا ودمشق وريفها وجنوبها بيد النظام الذي ما زال يقود بنجاح الحملة لاستعادة غوطة دمشق ومناطق الحدود مع لبنان، بالاضافة الى جيوب للمعارضة في محافظتي حمص وحماه.
ثالثاً: نجحت المنظمات الاسلامية المتشددة، خاصة داعش والنصرة، بضرب القوى العسكرية الاخرى، ومنها الجيش السوري الحر المدعوم من الدول الغربية، المتحالفة مع منظمات المعارضة المدنية، وخاصة مع الائتلاف السوري الذي مثل المعارضة السورية في جنيف 2.

1. أرجأت هذه الوقائع وغيرها جنيف 2 من خريف 2012 الى كانون الثاني 2014، إذ إن واشنطن تباطأت في الإعداد للمؤتمر لاعطاء فرصة لحلفائها بتغيير الواقع على الارض، بينما كانت موسكو تستعجل انعقاده. ويمكن تلخيص نتائج جنيف 2 بما يل1 – ان انعقاد المؤتمر كان نجاحاً في ذاته، اذ بدأت مسيرة – وان طويلة ومن دون خريطة طريق – للوصول الى سلام في سوريا. كذلك منح المؤتمر الائتلاف السوري اعترافاً دولياً على المستويات السياسية والديبلوماسية والاعلامية والتمويلية كلها.

2. انتظر وفد النظام اقتراحات اميركية تكون موضوع الحوار مع الوفد المعارض، الا ان واشنطن قررت قبل المؤتمر ان لا تُقدم أي اقتراح من شأنه ان يبقي الرئيس بشار الاسد وعائلته في سدة الحكم. كذلك، تستمر واشنطن في موقفها بعدم القيام بأي عمل عسكري يضعف الرئيس الاسد لمصلحة المنظمات الاسلامية المتشددة والموضوعة على لائحة الارهاب الاميركية.

3. اضعف جنيف 2 الجهود الايرانية الموجهة للدول العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية، لتسوية الامور العالقة والاتفاق معها على ادارة شؤون المنطقة. بالاضافة الى معارضة واشنطن لدعوة ايران الى جنيف، اتى خطاب وزير الخارجية الاميركي جون كيري يطمئن الخائفين في منطقة الشرق الاوسط من تغيرات السياسة الاميركية بان اتفاق الدول الست الكبرى مع ايران لم يشمل سوى الملف النووي الايراني، ولم يتطرق بتاتاً الى مشاكل المنطقة العالقة من اليمن الى سوريا مروراً بالبحرين والعراق ولبنان وفلسطين.

4. بدا ان الخلاف الاميركي – السعودي حول سوريا قد انتهى وتمّ التفاهم على دعم القوى العسكرية المعتدلة في جنوب سوريا وشمالها، بالاضافة الى العمل معاً على وقف تدفق المال والسلاح من خليجيين الى منظمتي النصرة وداعش، وقد بدأت السعودية تنفيذ هذا التفاهم. ان الهدف من اتفاق كهذا، اذا نجح، ان يوحد المعارضة العسكرية والسياسية ويعطي الائتلاف السوري المعارض الوزن اللازم على طاولة المفاوضات التي بدأت مع جنيف 2. كذلك يبدو ان التفاهم تمّ على ألا يطلب الائتلاف السوري المعارض الهدنة لان حصولها يُقسِّم سوريا بين المتطرفين في الشمال والنظام في الوسط والجنوب السوري، ما يتعارض مع الاهداف الاميركية والسعودية.

5. يحظى التفاهم الاميركي – السعودي بتأييد تركي، خاصة ان المنظمات الاسلامية المسلحة المسيطرة على الشمال السوري بدأت تشكل خطراً على امن المناطق التركية المحاذية.

6. تأمل واشنطن بتعاون العراق مع خطتها لمحاربة المنظمات الاسلامية المسلحة التي تستعمل غرب العراق منطلقاً لنشاطها في شمال سوريا ووسط العراق.

لهذه الاسباب وغيرها يبدو من جنيف 2 ان السلام في سوريا بعيد المدى. لذلك من المرجح ان تستمر الحالة الامنية في لبنان بالتراجع، خاصة في حال لم يسارع الساسة اللبنانيون الى الاتفاق على استقرار بلدهم وتحييده عن الصراعات العربية والاسلامية بالرغم من تحالفات معظمهم مع الخارج. إن انجراف لبنان الى تلك الصراعات يضر الجميع من دون استثناء. ان الساسة اللبنانيين مدعوون الى ان يغتنموا الفرصة التي اعطيت لهم اقليمياً ودولياً للتوصل الى حكومة تحيد لبنان فعلياً عن الحرب السورية فتؤمن الاستقرار والبحبوحة الاقتصادية، وتحضّر لانتخاب رئيس جمهورية جديد بالاضافة الى الاتفاق على قانون انتخابات يحقق الميثاقية والتنافس الصحيح ويلغي احادية التمثيل عند الطوائف الاسلامية.

******

السفير، الخميس 6 شباط 2014

 

اترك رد