من باب النقد الأدبيّ، وليس انتقاصاً من قدر أحد، أتوجّه إلى من لا يتمتّعون بملكة الشعر أو النثر، ولا أرى في نصوصهم إلاّ السطحيّة والتكلّف، أن يتوجّهوا إلى فنون أخرى، فلعلّهم ينجحون أكثر. ففي الأدب ليس هناك حلّ وسط، فإمّا أن يكون المرء مبدعاً أو لا يكون. وسرقة الصور والأفكار وتجميعها من هنا وهناك “لحشوها” في نصّ، وإنقاذ صاحبه من الفشل، وصْفة غير ناجحة. والتاريخ سيحكم على السرقات الأدبيّة.
وإنّني أجد شخصيّاً العديد من صوري الشعريّة، مستخدمة في قصائد أخرى، وأعتقد أنّ هناك من يعتمدون خطّة ممنهجة، لتجميع الصور والرموز من شعراء، ووضعها في إضبارة خاصّة لوقت الحاجة. وبالأمس القريب أخذتْ “دكتورة” نصّاً لي بعنوان “المرأة المجهولة” نشرتُه في عام 2016 في كتابي “رجل يرتدي عشب الأرض”، فقَولَبته وغيّرته بطريقة ذكيّة، وأدخلت فيه عناصر تبعده عن الروائيّة، فجاء نصّها مبتوراً وأعرج. لكنّها حصدت آلاف الإعجاب، وأكثر من ألفي مشاركة، ونصّي الأصلي لم يأخذ سوى بضعة تعليقات، فحذفته عن الفايسبوك لقلّة الإعجاب.
إنّ كتابة قصّة قصيرة ليس عملاً سهلاً، ولو كان أمراً عاديّاً، لكنّا كتبنا كلّ يوم قصّة. فالأفكار النادرة لا تأتي بغمضة عين، بل بعد تفكير طويل، ومغامرة في بحر هائج، للحصول على حبكة غير مطروقة سابقاً، ومبتكرة. وكذلك الصورة الشعريّة، فما بالنا نسهر ونعاني وغيرنا نائم لا يتعب ولا يشقى، لكنّه يعيش على حسابنا، وعلى راحته يتجوّل في نصوصنا، ويجوجل ما طاب له، وكأنّ أعمالنا الأدبيّة كرم على درب لا أصحاب له ولا نواطير؟
كتبت عن هذا الموضوع سابقاً، وحذفت ما كتبته، لأنّني لا أحبّ الإساءة لأحد، ولكنّني أجد أنّ المخالفة تتكرّر، إذ يبدو أنّ المستقبل الأدبيّ لبعض الناس قائم على مقدار ما يستطيعون جمعه عن بيادر غيرهم، وقد دخلوا في لعبة الإبداع، وأوهموا الناس بأنّهم عباقرة، فكيف يتراجعون الآن، وهم في منتصف الطريق، غير قادرين على الابتكار، وحريصون في الوقت نفسه على حصد الإعجاب والمديح؟
إنّني أقرأ نصوصاً باهتة، ليس فيها لمحة فنيّة جاذبة، ما عدا فكرة واحدة، يضعها صاحبها في الوسط، ليوهم المتلقّين بأنّ نصّه يرقى إلى الأدب. ولو دقّق الناس في تلك الصورة اليتيمة، لوجدوا أنّها مسروقة من أديب آخر.
في مقابلتي الأخيرة مع الإعلاميّة ندى فريد من إذاعة صوت سيدني، تحدّثت عن رجل أخذ قصيدة لي، ونشرها على فايسبوك، وغيّر فيها كلمة، فتواصلتُ معه، وشكرته لأنّه نشر قصيدتي واسمي عليها، لكن طلبت منه أن يحافظ على الأمانة، ولا يغيّر في القصيدة، فكان جوابه “بلوك” لصفحتي.
وقامت سيّدة بنشر نصّ لي “على عينك يا تاجر”، فأرسلتُ إليها أحد أقربائها، وطلبت منه أن يفهمها بطريقة مهذّبة، بأنّ النصّ من أعمالي وليس من أعمالها، فكانت ردّة فعلها “بلوك” على صفحتي.
رجاء، عودوا إلى ضمائركم، فالملكيّة الفكريّة حقّ مشروع، وليست استجداء من أحد، ولا منّة… وغريب أن يرتدي المرء ثياب غيره في عرس، وينتقم من الذي أعاره الثياب، ويسخر منه لأنّه أصبح عارياً.
***
*جميل الدويهي: أفكار اغترابية للأدب الراقي