جشع السياسيين اللبنانيين

 

 حاطوم مفيد حاطوم

                                        كاتب لبناني

انهار الوطن العتيق على من فيه وفيه. ومما لا شك فيه أن العيوب مصدرها اهل السياسة، بتهورهم دون احتساب..

والناس اصبحوا وعائلاتهم شبه كائنات وفي حال هذيان، وهم لا يزالون هكذا، أما أبنائهم يعانون من جراحهم وعمق معاناتهم من خلال ما تمر به البلاد، فتبددت أحلامهم وكل آمالهم من بعد أن استفحل الجهل وتمذهب التعصّب في جامعتهم الوطنية (الجامعة اللبنانية).

وهذا ما يؤكد لنا، أن السياسة هي القضية النبيلة وهذا نادراً جداً لا بل يكون الإستثناء الهزيل للقاعدة الواسعة حيث استغلال الناس، وخديعتهم وتقرير مصائرهم باسم السياسة ومن قبل محترفيها.

وهنا بيت القصيد…

بدايةً أنه لشرف كبير لي أن أتكلّم على الجامعة اللبنانية، وهذا يرتب عليّ مسؤولية كبيرة، ومما يزيد هذه المسؤولية أضعافاً أنه عليّ أن أتكلم عليها بما تحوي من شؤون وشجون…

سلبيات أهل الحكم بتدخلهم السياسي والطائفي الذي ينال من مستوى الجامعة… والتي هي بعيوننا مأزومة..

مأزومة منذ تأسيسها مع توسعها وتفريعها، وتعرضها لمختلف أنواع الضغوط السياسية والطائفية، إلى ان تحوّلت، وبحسب أهل الجامعة أنفسهم، إلى ساحة للتوظيف السياسي والطائفي والمذهبي، أي أن صورتها صارت جزءا من صورة البلد غير الجميلة.

مأزومة برأي أهلها، على وجود تدخل سياسي في شؤونها الداخلية في صرحها التعليمي، الذي يتخذ أشكالا متعددة، منها التعيينات وغيرها… رئيس لها وعمداء، مرورا بمدراء الفروع والكليات، وامتحانات الدخول، كل ذلك، بهدف السيطرة على كليات الجامعة طلابيا، وصولا إلى الحاجب ومشغلي الكافيتريا فيها.

مأزومة لأن الذي هي فيه اليوم، يخدم الجامعات الخاصة، من دون الالتفات إلى الجانب المشرق الوطني والمتمثل بوجود هيئة تعليمية تتمتع بمقدار عال من الكفاءة، وتفوق طلابها وخريجيها في المحافل الدولية، إضافة إلى ما تشكله من واحة تعليمية مضيئة تجمع الكل، فقراء ومن ابناء الطبقة المتوسطة، وابناء الطوائف المختلفة، فتلعب بذلك دورا كبيرا في تحقيق الانصهار الوطني الذي صار عملة نادرة في لبنان.

ومما لا شك فيه أيضاً، وضع بعض من المعنيين فيها، مشكلات جامعتهم بمتناول المواطنين اللبنانيين حتى يكونوا على بينة مما يجري في صرحهم التعليمي الذي هو الوجهة الأولى لأبنائهم في مراحل التعليم العالي.

فإن بعض ما تمر به هذه الجامعة الوطنية من مشكلات هو من التدخل السياسي والطائفي، رغم كل ذلك على أن هذا التدخل لم ينل من مستواها، وإن اراد البعض الترويج خلاف ذلك، وهكذا بقيت «اللبنانية» الوجه الفرح للوطن، وهي كانت ولا تزال تقدم تعليما مختلفا في ظل وجود هيئة تعليمية تتمتع بالكفاءة اللازمة، وطلاب يرغبون بالعلم قبل أي شيء آخر، فكانت النتيجة تقديم صورة راقية عن لبنان في العالم.

ومما لاشك فيه أيضاً، أن الجامعة اللبنانية قد نشأت موحدة وصارت في كل المناطق، أي أنها ذهبت إلى الطلاب موفرة عليهم عناء ومشقة الانتقال من المناطق إلى بيروت مع ما يرتبه ذلك الانتقال عليهم من تحمل تكاليف وأعباء مادية قد تفوق طاقاتهم، ناهيكم عن الوقت والارهاق.

وأيضاً، لن ننسى نضالات الأساتذة والطلاب ومطالبتهم بكليات تطبيقية، منها الهندسة والطب والصيدلة والزراعة، كما ودخلت التقنية إلى الجامعة من خلال تعزيز كلياتها بأجهزة التقنية تماشيا مع التطور. ولأن الجامعة هي ككل مؤسسات الدولة، فقد كان طبيعيا أن يكون فيها إيجابيات وسلبيات، مع الإشارة إلى أن ما يجوز في الوزارات وإدارات الدولة لا يجوز في الجامعة اللبنانية»، وأن «أكبر عنوان للسلبيات هو تدخل السياسيين في الشؤون الداخلية للجامعة، برغم أن قانونها ينص صراحة على أنها تتمتع باستقلال مالي وإداري واكاديمي.

وهناك جملة تساؤلات انطلاقا من عدم تحديد وظيفة الجامعة. فأي جامعة لبنانية نريد؟ هل هي جامعة لإعطاء شهادات اكاديمية أو جامعية فقط؟ هل هي جامعة لتعزيز الجانب المعرفي؟ هل هي جامعة لأن تكون متلائمة ومتكيفة مع حاجات سوق العمل الداخلية والعربية؟ هل هي جامعة، كما حصل في السنوات الاخيرة، مساحة للتوظيف السياسي بعدما ضاقت فرص العمل وزادت البطالة وصارت الجامعة هي النافذة الوحيدة لتلبية مطالب السياسيين؟

نؤكد أن الإجابة عن هذه الأسئلة من شأنها ان تحدد الإشكالية الحقيقية للجامعة، حيث ان السلطة السياسية تعاطت خلال الحرب الأهلية مع موضوع إنشاء الفروع بخلفية سياسية وإدارية، وفقا للحاجة

ولم تتعاط معها بخلفية تنموية أكاديمية، ثم تطور الأمر مع إعادة التموضع الجغرافي للجامعة في المحافظات.

عندما نرى هذا التموضع الجغرافي وقانونا متخلفا يعود الى خمسينيات القرن الماضي، ندرك فعلا أن هناك أزمة في ذاتها، وهنا الاشكالية.

وهناك أزمة وطنية تترك انعكاساتها على كل المؤسسات بما فيها الجامعة، الى أمر واقع في الفروع التي هي مجمعات جامعية بأمر من السلطة التي حولتها إلى ذلك خارج إطار القوننة. وهناك تراكمات من المصالح والامتيازات لكل الطبقة السياسية بلا استثناء، فهناك أزمة تطبيق للقوانين التي بدأت تستفحل وتسهل تجاوز القوانين، فمن الناحية الإدارية، القوانين قديمة، في حين أن هناك أمورا جديدة طرأت على الجامعة ويصعب حلها استنادا إلى القوانين الموجودة..

على مستوى الإدارة، بدأ العمل من خلال وضع هيكلية لها، على أن يتم الانتقال لاحقا إلى الفروع والكليات. ومن المشكلات أيضا كان تأخر إنجاز المعاملات، ولحل هذا الأمر انوجدت بعض الحلول من خلال عملية ترشيد إداري الأمر الذي أدى إلى تخفيض مدة إنجازها.

ومن الناحية الأكاديمية، لا شك أن مستوى الجامعة يبرز من خلال تخريجها طلاب بشهادات عالية ومستوى عال، وهذا يعني أن هناك جسما أكاديميا واساتذة على مستوى عال أيضا. وإذ تشير إلى ان تدخل السياسة في الجامعة، لا يؤثر على هيكليتها العامة، رغم ان مستوى طلاب اللبنانية رائع وهو عالمي..

في ظل سعي بعض الجامعات الخاصة للنيل من صورتها خدمة لمصالحها الخاصة.

فلا يمكننا ان نطرح إشكالية الجامعة وكأنها في جزيرة لوحدها، أي بالتغاضي عن وجود نحو خمسين جامعة خاصة في لبنان، منها عريقة كالجامعة الاميركية.

لا شك أيضا، ان «النق» الحاصل، فليس لأن الجامعة سيئة، بل لأن هناك مناخا ديموقراطيا، يسمح للأساتذة أن يتحدثوا من دون خوف بمقتضى القانون، لكن في التعليم الخاص فإن من يرفع الصوت يتم فصله وطرده. فوضع الجامعة ليس صحيا أبدا، في ظل السياسات الجارية لإضعافها. فأن أخطر مشكلة تواجه الجامعة ليست بالتدخل السياسي عبر فلان وفلان، وإنما في مسألة حفظ التوازنات التي تعد الهاجس الكارثي، لأنها تقضي على معيار الكفاءة في مجال التعليم والبحث وتجعل الأولوية للانتماء الطائفي.

فالأزمات في الجامعة ليست جديدة بل منذ نشأتها. رغم ان وضع الجامعة كان أفضل لأنها كانت صغيرة، كما أن وضع البلد كان أفضل. لذلك لا يمكن النظر إلى الجامعة اليوم من زاوية الأمس. وأيضا لا يمكن فصل الجامعة عن الدولة والسلطة والمجتمع، لأنها لا تعود جامعة الوطن. هناك أزمة دور وهي تاريخية ولا تزال قائمة.

وهناك أزمة تطبيق القوانين ليست مرتبطة بالسلطة فقط، بل بداخل الجامعة ايضا. هناك أزمة إدارة لأنها تابعة للدولة. صحيح لديها استقلالية إدارية ومالية لكن لا بد من حصول تعيينات في محل ما. إذا كنا سننكر هذا الموضوع لماذا نقول الجامعة الوطنية.

وهناك أزمة إدارة وهذه لها علاقة بالجامعة ولا علاقة لها بالسلطة ولا بالمجتمع، ولنعترف أنه بالعمل الاداري على كل المستويات هناك خلل في التجربة والتراكم». ويشرح: «بما أن كل القوى السياسية في السلطة، فحكما سينعكس ذلك في محل ما على التعيينات، وضغوطات على كل المستويات. فإن ما تعاني منه هي صعوبات لا بد من حلها، للحفاظ على دورها وكي لا تتحول الصعوبات الى أزمة.

نلفت النظر إلى أنه عندما تعين السلطة أو الحزب السياسي المدير، يصبح مديرا للجهة التي عينته وبالتالي هذه مسألة أكبر من قضية الصعوبات الإدارية كعدم علم المدير بالإدارة، فالمطلوب هو تحرير الجامعة من السلطة السياسية التي تملي عليها التعيينات، لأن عجز الجامعة عن التوظيف، وتحوّل الموظفين فيها إلى مجموعة من المتعاقدين لا يتقاضون رواتبهم إلا مرة كل سنة أو سنتين، فهذا ما يعرقل مسيرتها. كما أن تعيين الهيئة التعليمية في مجلس الوزراء بدعة كبيرة، لأنه يلغي دور اللجان العلمية المنوط بها دراسة ملف الأستاذ وكفاءته، ما يؤدي إلى تعيين بعض الأساتذة الذين لا حاجة لهم، وهذا كله يهدد مسارها.

ومن المهم ان يوجد موازنة للجامعة، لأن القرار الرسمي بعدم التوظيف هو دائما بذريعة أن الميزانية لا تسمح. ومع الإشارة إلى ان هناك أنظمة للتعيين في الجامعة، إلا ان مجلس الوزراء اتخذ قرارا بربط كل التعاقد او التفرغ به، وبالتالي فقدت الجامعة القدرة على «التفريغ».

والمعوقات إدارية تصل إلى حد عجز عن شراء قلم، لأن هذا يجب أن يكون مدرجا في الموازنة، فالمعوقات الادارية كبيرة، أما الحل فيكون بالتخلي عن المركزية التي تخنق الجامعة. فمن المستحيل أن تمر معاملات الطلاب والأساتذة والاف الموظفين على شخص واحد هو رئيس الجامعة لتوقيعها. فالجامعة بحاجة إلى إعادة النظر في قوانينها والاتجاه إلى لامركزية تحافظ على فروع المناطق والتنوع داخل الكليات.

فلا شك ان اساتذتها يحملون شهادات دكتوراه من ارقى جامعات العالم، وهي تضم اصحاب الكفاءات خصوصا خريجين من بريطانيا واميركا وفرنسا، وهم من أصحاب الكفاءات العالية» نعود ونقول ونضيف ان هذا المستوى يعكس إيجابيات كبيرة على صعيد طلابها الذين يتخرجون ويتفوقون، ومن الأمثلة على ذلك ان أكثر القضاة والضباط وغيرهم، كانوا من الجامعة اللبنانية علما أن كل الجامعات الخاصة تدرس الحقوق. كذلك الأمر بالنسبة لامتحانات مجلس الخدمة المدنية، فطلاب اللبنانية، يحققون نتائج مهمة، وفي الخارج يتفوقون أيضا، وهذا يدل على المستوى والسمعة التي تتمتع بها اللبنانية في الخارج. ومن الأمور التي تؤثر على سمعتها أيضا، ابنيتها فبعض كليات اللبنانية عبارة عن أبنية قديمة، ولا تستوفي المعايير الدولية.

رغم ذلك، هي مؤسسة كيانية ويجب العمل على أن تبقى كذلك وتتمتع باستقلاليتها، والخوف على الجامعة ليس فقط من النظام السياسي والطائفي، بل من اتحادات الجامعات الخاصة التي تعمل لإضعافها. والخوف ايضا، أن تصبح الجامعة كالمستشفيات الحكومية بإحجام الجميع عن الانتساب إليها بسبب سياسة مد اليد عليها. لذلك لا بد من خريطة للحلول، وجعل مصلحة الجامعة وأساتذتها وطلابها أولا، لأنه عبر هذه الطريقة فقط يمكن الانتصار على السياسة والسياسيين.

وللبقية تتمة…

 

اترك رد