حاطوم مفيد حاطوم
كاتب لبناني
احترامي لكاتب قصيدة “احترامي للحرامي”…، ومما لاشك فيه، أن الكلمة مفتاح البشرية في سعيها إلى الإنتماء، إلى الخلود، تنطلق من الإبداع، وترتكز على المحاكاة.
الكلمة ترفعنا من الغريزة إلى العقل، وهي تحفظ ذاكرتنا على مدى الدهور، وهي الشعر والمسرح، والفكر والموسيقى، وهي ميراث الفلاسفة، وروعة المصارحة، وهي للباحث الفضولي، العقلاني أن يتحرّى عن الحقيقة شغفاً بها، متحرشاً ليؤكد أن ما يفعله الإنسان يوحي بشخصية فاعله. وبقدر ماهي سبب الحروب لتعود فتكون سبب السلم والمصالحة.
هي الشعار، المرادفات، الثنائيات والصفات، الأفعال والقواعد وكسر القاعدة: كلها شظايا الكلمة، ومنها تعود وإليها مقدرة البشر على تجاوز المحدود والمبتذل والفاني…
ومن هنا نقرأ قصيدة الشاعر الأمير عبد الرحمن بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود. “احترامي للحرامي”، انه يصف العبد الذي هو، في لهاث دائم وراء المال ورموزه وأدواته، والذي يسكن دماغه ويدغدغ غرائزه، وكيف يمتلكه عوض أن يملكه. وكلنا نعلم أننا نغادر الدنيا ولا نأخذ معنا قرشاً واحداً أو أي رمز لثروة أو مال.
ومما لا شك فيه أيضا، علينا أن لا ننسى هذا المخلوق الذي أبدعناه نحن البشر واستولدناه من عالمنا الزائل ومن مواد تتوافر في الطبيعة.
مدركين، أنه معدن أو ورق، ولديه سحر بقدرة جاذبة وقادرة على الشر حتى تغري السارق، والمحتال بالإختلاس. وأيضا لايمكن لذاك المخلوق المعبود: ان لا خطر يهدده ويقدر على احتوائه والسيطرة عليه إلّا إذا توافر وكان ناضجاً وينضح بالحق وبالصواب، يروضه الضمير.
عرض الشاعر الأمير، بمضمون قصيدته بين صفة التمثيل ودور الوسيط، بين مرّوج لحضارة ومسوّق لحكم، فكان صاحب فكر غير ثوري لكنه نهضوي. في عالم الإنحلال، يتفكك فيه كل شيء من البيئة إلى المجتمع من المؤسسات، من السلطة إلى الدولة.
لهذا لقد كتب الشاعر بلساننا عن جزء من الطبقة السياسية في وطني لبنان بحسب ما نحن نراه، يعميهم السباق إلى السلطة إلى المال، بأي ثمن، ومن دون أي اعتبار لمصلحة وطنية، ومن دون احترام للدستور والمبادئ التي قام عليها.
والقصيدة هي موقفاً، ولم تكن كلاماً مترفاً، بل هي تشير في الوقت الحاضر بحسب مقاربتنا لدولتنا لبنان، بالخلل البنيوي، تتسم بضعف الفعالية والتمييز والإقصاء وعدم المساواة.
فإلى سمو الأمير الشاعر عبد الرحمن بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود كاتب قصيدة “احترامي للحرامي”، شكراً لكشفك الباعة والدجالين، فهنيئاً لنا ما كتبت كي يستقيم بلدنا لبنان، والوطن العربي، للأجيال الجديدة القادمة.
لمثلك كنا وما زلنا وسنبقى بحاجة، إلى أخلاق وعلم ورصانة، بحاجة إلى مؤمن من غير تزمّت، وإلى واثق من غير اعتداد، وإلى شجاع من غير مكابرة أو تهوّر، وإلى عالم من غير تبجّح أو إدعاء، وإلى صلب من غير تشنّج، وإلى محافظ من غير انكماش ومنفتح من غير انفلاش.
بوركت يا سمو الأمير، لأنك في هذه القصيدة قد أسهمت بقدر، مهما كان ضئيلاً في إيقاظ فكر غاف، أو ساه، عن التزامه بالقيم الإنسانية، والوطنية، والإجتماعية.
فشكراً لأن كما هو معروف هموم الوطن تستدعي الإعلان عن الفاسد بكلماتكم الحاضرة وعينكم الساهرة والفاحصة القادرة على تصحيح المسار، لأنكم تقرأون الواقع وتبنون عليه معطيات الحاضر ومتطلبات المستقبل.
كلمة أخيرة، ليس المهم كيف نصف كأس الماء، الأهم أن نحرص وأن نرى أبعد مما فيها ونسأل كل مَن حولنا ما إذا كان الكوب يحوي ماءً أو شيئاً آخر.. أو لعله كان في الأصل فارغاً.
وللبقية تتمة…
“احترامي للحرامي”
إحترامي للحرامي
صاحب المجد العصامي
صبر مع حنكة وحيطة
وابتدا بسرقة بسيطة
وبعدها سرقة بسيطة
وبعدها تعدى محيطه
وصار في الصف الأمامي
احترامي للحرامي..
صاحب النفس العفيفة
صاحب اليد النظيفة
جاب هالثروة المخيفة
من معاشه في الوظيفة
وصار في الصف الأمامي
احترامي للحرامي..
يولي تطبيق النظام
أولوية واهتمام
ما يقرب للحرام
إلا في جنح الظلام
صار في الصف الأمامي
احترامي للحرامي..
يسرق بهمة دؤوبة
يكدح ويملي جيوبه
يعرق ويرجي المثوبة
ما يخاف من العقوبة
صار في الصف الأمامي
احترامي للحرامي..
صار يحكي في الفضا
عن نزاهة ما مضى
وكيف آمن بالقضا
وغير حقه ما ارتضى
صار في الصف الأمامي
احترامي للحرامي..