جميل الدويهي:  المحبة للعالم

 

 

 

من الكتاب الفكري العاشر – يصدر قريبا من أفكار اغترابية

 

كان المعلم عائدا من صيدا وصور إلى الجليل، فالتقى بثلاثة من تلاميذه جالسين تحت شجرة حور كبيرة، ويتجاذبون أطراف الحديث.

سأل المعلم التلميذ الأول: ماذا فعلت اليوم؟

أجاب: ساعدت والدي في حقله، فالحصاد كثير والفعلة قليلون، ولم يجد أبي عمالا ليعينوه في القطاف.

قال المعلم: طوبى لك، فقد فعلت المحبة لوالدك.

وسأل التلميذ الثاني: وأنت ماذا صنعت؟

قال: كان لجار لنا خروف ضائع، فترك الخراف كلها، وذهب ليبحث عنه، وبينما هو غائب جاء ذئب إلى الحظيرة، فخرجت إليه ونهرته، وأنقذت الخراف.

فرح المعلم بما سمعه، وقال لتلميذه الثاني، طوبى لك لأنك أحببت جارك القريب.

وسأل الثالث عما قام به في يومه، فقال: كنت أزور قرية من قرى الناحية، فرافقت ابنا ضالا، ترك دار ابيه، وصرف أمواله التي ورثها، فجاع واشتغل راعيا،  ولما ندم وعاد إلى منزل والده وذبح له العجل المسمن، احتج أخوه، وطرده قائلا: هل بعد أن تنكرت لأهلك تعود إليهم وأنت في حاجة؟… فتدخلت، وأصلحت بينهما، ولم أخرج من ذلك المنزل إلا بعد أن علمت أن الأخ الغاضب قد صالح أخاه وعانقه، واعتذر عن سوء تصرفه، ثم نزع خاتمه الثمين وأعطاه لشقيقه، وهو يعبر عن سعادته بعودته بعد غياب.

اغتبط المعلم كثيرا، والتمعت عيناه بنور إلهي عجيب، وقال لتلميذه الثالث: طوبى لك لأنك أحببت العالم أجمعين، وصدقا أقول لك إن الذين يسعون إلى السلام، يصنعون ما هو أعظم من المحبة بكثير.

***

*د. جميل الدويهي: مشروع “أفكار اغترالية” للأدب الراقي  النهضة الاغترابية الثانية – تعدد الأنواع

اترك رد