بقلم: الأديب إيلي مارون خليل
أعترفُ، أنا اللّبنانيَّ البسيطَ، بأنّني حائر هذه الأيّام! فقد بتّ لا أعرف إن كنتُ أنتمي، أو أَميلُ، أو أنّي أقرب، إلى 14 آذار، أو إلى 8 منه، أو إن كنتُ وسطيًّا!
فأنا، مذ “وعَيْتُ”، (هل؟) أعتبرُ أنّني لبنانيّ. وأنّ لبنان، عندي، هو “أوّل”، وبعده كلُّ شيءٍ ثانٍ! هو “أوّل” ولا “شريك” له، لا من الشّرق، ولا من الغرب. ماذا يُفيدُني الغربُ البعيدُ، الطّامع؟ وماذا يُفيدُني الشّرقُ القريبُ الطّامعُ، هو أيضًا، بدوره؟
ألغربُ بعيد؟ نعم، وعلى كلِّ صَعيد! جغرافيًّا أوّلا، واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا…لا جدالَ في المجال الجغرافيّ. وفي المجال الاقتصاديّ، مَن “يُحِبُّنا”؟ مَن يريدُ غيرَ استغلالِنا؟ مساعدات!؟ بأيّ مجال، بأيّ ثمن، بأيّ ارتباط!؟ الميزان التّجاري؟ متى كان لصالحنا؟ هل يستطيع، أصلا، أن يكون؟ وعلى الصّعيد الاجتماعيّ، هل عاداتهم والتّقاليد، من عاداتنا وتقاليدنا؟ أم أنّ عاداتِنا والتّقاليد، من عاداتهم وتقاليدهم؟ أين تتشابه، بِمَ، لِمَ، حتّامَ؟ مَن “يُقلِّد” مَن؟ أيُّنا أهَمّ: ألمُقَلِّدُ أمِ المُقَلَّد؟ وفي أيّ مجال نُقَلِّد؟ أليس “التّقليد” من باب “التَّرقيع”؟ فما نفعُه، إذًا؟ وعلى الصّعيد الثّقافيّ: أثقافتُهم ثقافتُنا؟ أتراثُهم تُراثُنا؟ أم كلُّ شيء مختلِف؟
إنّ الحضارةَ تنبُع لا تهبط. تطلع من تراث، لا تُتَلَقَّى بالوحي. ألحضارةُ تَفَتُّقُ قِيَمٍ، لا “استنساخُها”! تَفَجُّرُها من ذاتٍ: فرديّة وجَماعيّة؛ لا قَبولُها. أنت تقبل؟ فأنت سلبيّ، أين شخصيّتُك، تُراثك، ثقافتك، قِيَمُك…؟ ألوافد غيرُ أصيل. غيرُ الأصيل “فائش”. “ألفائش” نُثار كالغبار. فما القيمة؟ هل أرضى، أنا اللّبنانيّ العاديَّ البسيط، أن أحيا بلا قيمةٍ، بلا شخصيّةٍ، بلا تَمَيُّز؟ ما قيمةُ هذا النّوع من الحياة!؟
قد يظنّنّ أحدٌ أنّ الدّين يجمع بين الغربِ وبعضِنا، هنا. هذا ظنٌّ خاطئ. بل كثيرُ الخطأ. ألمسيحيّةُ عندهم، غيرها عندنا. من زواجٍ مدنيّ، إلى مساكنة، إلى أولاد قبل زواج، ومن دونه، إلى كنائس تحوّلت إلى متاحف وآثار، أو أُجِّرت لغير غرض… ماذا تبقّى من مسيحيّتهم!؟ كم من “المؤمنين” لا يزال عندهم!؟
والشّرقُ، كذلك، بعيدٌ. ربّما أكثرُ من بعيد. إلاّ على مستوى اللّغة. لكنّما اللّغةُ، وحدها، لا تشكّل وحدة الأمّة. ولا التّاريخ المشترك، ولا الحدود، ولا الجغرافيا، ولا… إضافةً إلى “طمع” الجميع بنا: جغرافيًّا، واقتصاديًّا… والأمثلةُ أوفر من وافرة.
من ثمّ، قد يعتبر البعضُ أنّ العاداتِ والتّقاليدَ واحدةٌ، عند الشّرقييّن. هذا “الاعتبار”، بدوره، خاطئ. فهل عادات السّعودييّن، والكويتييّن، واليمنييّن، واللّبنانييّن، و… هي نفسُها: زواجًا، مُثُلاً، أو قيادة سيّارة، أو أعمالا، أو احترام امرأةٍ، أو صِيامًا، أو …؟ أنرى، في لبنان، “مطاوِعًا”، مَثَلاً، أو ملاحقة امرأة تقود سيّارة، أو …؟
واللّبنانيّونَ، أنفسُهم، أَهُم مُوَحَّدون متَفقون متفاهمون… أهُم ينظرون إلى الوطن نظرة واحدة؟ أمفهومُ الدّولة، عندهم، جميعًا، واحد؟ أهُم ذوو رؤية ورؤيا واضحتَين، موحَّدتَين، نحو لبنان: حاضره والمستقبل؟ أم أنّ لبنان: الواقع والمرتجى، مختلِفٌ باختلاف الأحزاب والتّيّارات والجماعات والطّوائف والمذاهب والأفراد؟ هل هكذا نُخَطِّط لنبنيَ وطنًا حقيقيًّا، بعيدًا من المسرح الرّحبانيّ، وشِعر سعيد عقل، وخصوصًا، كتابه النّثريّ: “لبنان إن حَكى”!؟
أليس لبنان، وضمن الحزب الواحد، والتّيّار الواحد، والجماعة الواحدة، والطّائفة الواحدة، والمذهب الواحد، يتميَّز ويختلف ويتنوّع؟ أليسَ الحزبُ أحزابًا، والتّيّار تيّارات، والجماعة جماعات، وهلمّ…. بناء لنظرة أو رأي أو رؤيا أو رؤية أو مصلحة أو…؟
أعود إلى البَدْء. أسأل: أأنا إلى جانب 14آذار، أم إلى جانب 8 من الشّهر عينِه؟ أم إنّي وسطيّ؟ أرى، أنّي لست في جانب أحد! لا هؤلاء يحتاجونني، ولا أولئك، ولا سواهم! ومَن أنا ليحتاجوا إليّ!؟ ألأصَحّ: مَن هم لأحتاج إليهم!؟
14!؟ ينحازون إلى بعض غرب وبعض شرق. أين “لبنان أوّلا”!؟ 8!؟ ينحازون إلى بعض شرق وبعض غرب. أين “لبنان أوّلا”!؟ ألجميع، بهم، يتلاعب. والوسط!؟ ليس من وسط. هذا ضعيف الحيلة. فهو غير بعيدِ النّظر، غير بعيد الرّؤية، ولا الرّؤيا. وتاليًا ليس الوسط أهلا ليكون، ولا ليكوّن، شخصيّة قويّة، قادرة، واثقة، لافتة، مميَّزة، مميِّزة، لرأي ودور وواجب!
وبما أنّني، هكذا، أفكّر وأحيا، ولا “أنتفع”، (ولا أريد)، ألا ترون أنّ سؤالي مُحِقٌّ: أَغبيٌّ، أنا، أم صَبور!؟