د. ربيعة أبي فاضل
أنهيتُ، الآن، قراءة كتاب، كانت نسجته بالفرنسية إفلين مسعود، عام ٢٠٠٤، وأُعيد طبعه، بالعربية، عام ٢٠٢٢، ( دار سائر المشرق).
عنوانه:”الغفران طريقُ السّلام- مسيرة الأب منصور لبكي”، وهو، على الأرجح، سيرة غيرية تلخّص مزايا شخصيّة هذا الكاهن، ونشاطاته، وأسفاره، وخدماته، وكتبه، وتجلّياته.
وفي ظنّي انّه لا يحقّ لأيّ إعلاميّ، أو كاتب، أو باحث عن الحقيقة، أو تائق إلى كشف المخبَّآت، أو هاوٍ للتخرّصات، أن يتناول هذه الشخصية، إيجاباً أو سلباً، قبل الاطّلاع على هذا الأثر المُغني، الشّامل، النّابض بحرارة الحياة، والفنّ، والتفاني، والتضحية.
ولا شكّ لديّ، وأنا لستُ بقارئ ساذج، في أنّ لبكي مثّل إنسانيّته، وكهنوته، وانفتاحه، وحواراته العالمية، وأناشيده، وألحانه، بكلّ ما يملك من طاقات روحية، وفكرية، وقلبية، من دون يأس، أو خيبة، أو تردّد، أو التفاتة إلى الوراء!
وما يذهل، هذا الإقبال، من قبل رؤساء جمهوريات، وبابوات، وكرادلة، ومثقّفين، وفنّانين، ورجالات روح، ونساء قدّيسات… على دعم مشروعاته، والثّناء على مؤلّفاته، ومواكبة حيوية حضوره، وإبداعاته!
ومن المفيد أن يدرك العارف أنّ ثوابت الأب لبكي، صانع أعمال الرّحمة، لم تتبدّل بل نمت وتطوّرت، وهي: استلهام الإنجيل، الارتباط بلبنان، كرامة الأنسان، حوار الحضارات، تناغم الفنون، وتكاملها. وكان يصلّي كي يرافقه الروح، من أجل النّجاح، والفلاح.
أنّ القارئ يخرج من النّصوص التي تضمّنها الكتاب، وهو معجب بهذا التراث الخصب لإنجازات حقّقها بالسهر، والتوكّل، والشجاعة، والمحبّة الخلاقة التي جعلت كميل شمعون يتقبّل الاعتراف، على يده، وجاك شيراك يراسله، ويوحنا بولس الثاني يقدس وإياه في روما، والأم تريزا تحاوره، وباولو كويللو يساهم في بعض نشاطه الفنّي. كنت أجهل الكثير عن أهميّة هذا الرّجل، ولمّا علمت، فهمت أسباب النميمة، والحسد، والاغتياب. فقد محت قامته ظلال كثيرين!
سيرةٌ عن مسيرة، توجزهما كلمتان: الغفران والسّلام. إنّ المحبّة أقوى من الموت، والغفران هو طريق مَن أحبّ المسيح حتى التّماهي به. لم يحرّك الأبونا ساكناً، ولم يضع حركة فوق حرف إلّا ليمجّد الله، وليحوّل العنف والحرب إلى تسامح وحبّ.
وبعد، هذا أمّةٌ في رجل، كما قيل عن المعلّم بطرس البستاني.