الشاعر حسن سامي العبدالله
(العراق)
*
بيروتُ لحظةُ عاشقينِ تمرَّد
فتزلّفَ البحرُ المُرصَّع بالصَبايا
للشواطئ واستفاقَ الليلُ نشواناً
شوارعُها تبيعُ العطرَ للآتينَ مِنْ وجعِ المعابرِ
كي يغنّوا عندَ (رَوشتها)
فيندلقُ الصباحُ على المَباني
يابنةَ البحرِ المُدللةَ استريحي مِنْ رُكامِ الماءِ،
مِنْ كَسرِ النوافذِ واسمعي فيروزَ
دُسي الوردَ في قُمصانِنا البيضاء
قالَ مُحاربٌ لَمْ يسترحْ بعدَ الهدوءِ المُثكَلِ
بيروت
شمعُ اللهِ في قُداسِ مريم
يا تراتيلَ البشارةِ أخبِري عيسى
عَنِ البحر المُملحِ بالضَحايا
وانثري شبَقَ الأرُزِّ على الأزقَّةِ
واستعيذي مِنْ غرابيبِ ابنِ سارةَ بالبنادق
كُلّما مرضَ النهارُ وغادرَ التفاحُ أغصانَ الغوايةِ
إنّها بيروتُ منتصفُ المسافةِ بينَ أصغر شامتينِ
تمارسانَ الضوءَ في صدرِ القصيدةِ
تجهشُ الحاراتُ فيها
عطرَ جوريٍّ يطلُ مِنَ النوافذِ
حينما تتأزمُ الأنفاسُ في زمنِ الهواءِ الأعزلِ
بيروت
عافيةُ التنُّغنجِ
واحتفاءُ الطينِ بالريحانِ
والكأسُ الأخيرةُ للسعادةِ
لم يكنْ فيها ضجيجٌ
غيرُ موسيقى الهروبِ مِنَ الحياةِ إلى الحياةِ
نساؤها يملأنْ خارطةَ الأنوثةِ بالبنفسجِ
والرجالُ جميعهُم أغصانُ زيتونٍ نجيبٍ
يسألونَ الغيمَ عَنْ مطرِ المباهجِ
ثمُّ يهطلُ فِتيةٌ مِنْ سلسبيلٍ
يزرعونَ سطوحهُم بالأغنياتِ
الأرضُ تشبههُمْ كثيراً حينَ تضحكُ للسماء
صبيّةٌ بيروتُ ترفلُ بالندى المُتبتِّلِ
بيروت
بابُ الشمسِ
مفتاحُ النبوءاتِ الأكيدةِ
شعرُها الذهبيُّ مشّطهُ المجازُ
فأزهرَ الرمّانُ في حقلِ المعاجمِ
وانتهى قلقُ الأراجيلِ المليئةِ بالدُخانِ
لأنّها بيروتُ منفى المستفيقين الحيارى
لمْ تُفرّطْ بالفساتينِ الأنيقةِ
رُغمَ تجفيفِ المشاعرِ بالتجنّي
سوفَ تنجو من حيادِ العقربِ المسمومِ
تنتصرُ العناقيدُ النبيلةُ للسلامِ المُقبلِ.
***
*من ديوان “حصاة مطمئنة لنافذة قلقة” الفائز بالمركز الثاني في جائزة انطون سعاده الأدبية.