كانوا يقولون لي إنّني لا أستطبع تسلّق الجبل، ففيه ثلج وأخطار، فتسلّقتُه، وعلّقت قبّعتي على رأسه، وصرنا أخوَين وصديقَين.
ورسموا لي خطّاً على التراب قائلين: في الغابة هناك، وحوش مفترسة، ضباع وذئاب وفهود تنقضّ عليك، فلا تغامر في المجهول. إنّ المجهول عدوّ لدود للإنسان، وأنت هزيل وضعيف… فقلت لهم: المجهول هو المرآة التي تنعكس عليها حقيقة الوجود، فإذا انكسرت هذه المرآة أصبحنا جميعنا ظلالاً مبعثرة على الطريق.
محوتُ الخطوط المرسومة، ومشيتُ إلى الغابة مطمئنّاً، وليس في قلبي خوف ورهبة، فسارت الوحوش ورائي في موكب من السلام، ووصلتُ إلى البحيرة الهادئة، فغسلتُ جسدي وروحي في مياهها الصافية، ورميت عن نفسي عثرات الماضي، وكلام الأقدمين.
وما زالوا إلى اليوم يتربّصون بي في الأمكنة والمنعرجات، وكلّما خطوت خطوة إلى الأمام، وجدوا ذريعة لتخويفي، فأنكمشُ على ذاتي وأتضاءلُ، وأدخل في علبة لا أستطيع الخروج منها، بينما هم ينعمون بأفكار باهتة، ويتصوّرون أنّهم صنعوا المعجزات… لكنّني حقيقةً أقول لهم: أعيدوا سيوفكم إلى أغمادها، فمَن اتّخذ الوهم طريقاً له سيضيع في الأوهام، ويغرق في الحيرة… أمّا الذي في يده البرق، فسيظلّ يشعل الليالي، ويأمر المطر بأن يهطل على الأرض، ويلوّن البحار والسماء بلون الحبر الأزرق… وسيظلّ يخترع من كلّ حرف مجرّات وكواكب، لا تطفئها الأزمنة.
***
*جميل الدويهي: “مشروع أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي النهضة الاغترابيّة الثانية – تعدّد الأنواع