قراءة في فكر  شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحادة وأدبه 

 

   علي أبي رعد

 

ولد من رحم الحرية العذراء كافرا بعبادة الأصنام .. دُوّن اسمه علي لائحة المطلوبين.. فقاموس الواشين لا يُفرّق بين المدن والضياع والوجوه والأسماء .. حمل الأديب والشاعر الدكتور عبد الله شحادة أعوامه الخمسين متنقلا في دروب العطاء التربوي والإبداع الفكري والأدبي .. ليجد نفسه ذات ليل كانوني فجر العام ١٩٦٢ مفترشاً أرض قاووش جرّاء وشاية من جهة سياسية تناصبه العداء .. قضى فيه خمسة عشر يوماً كانت بمثابه خمسة عشر ردحاً .. سبر فيها الدكتور شحاده أغوار النفس البشرية التي تتجاذبها مفاسد الحكم البوليسي الذي لا يُقيم وزناً ولا اعتبارا للإنسان .. وبين القِيم والحق والخير والجمال ..

وتحت وابل من قصف الرعد وعصف الزمهرير على ليل الشمال الحزين .. دخل عبد الله شحاده السجن الكبير .. جسداً ..وفتح باب الذكريات على مصراعيه فحملته إلى زمن مضى إلى بساتين بلدته والكروم ومغارس الزيتون وحفافي الحواكير ودروب التلمذة ومقاعد الدراسة في كلية التربية والتعليم في طرابلس وثورة الشباب إلى البلدات والقرى التى أحبها وحفرت في وجدانه من إهدن جنة الخلد ومهبط وحيه إلى حدث الجبة جارة الأرز وأُغنية الوادي مروراً ببلدته كوسبا قبلته والكورة الخضراء لوحة السماء على الأرض المتنوعة الأزاهير كتنوع أشعاره وقصائده بين الحب والغزل والثورة والرثاء والمديح .. وعلى وقع السياط والبرد وما تعرض جسده من عذاب.. بقيت روحه أبية ..لأنه كلما اشتد النزاع بين الروح والجسد تتمرد الروح على الرغبات.. فجمع في نصوصه الكثير بين الضعف الجسدي والقوة الإيمانية وقد شرّع بين الماضي والحاضر نافذة أمل على المستقبل .. وسقى أوراقه بحبر التحرر من العبودية .. فكان الجندي الشرس في دك حصون الجهل والعادات والخرافات .. كما دعا إلى تعزيز الأوطان بالتفاني وتوحيد الأديان وتحرير الأفكار وتعليم الأطفال في المهود على حب الاستقلال ..عبدالله شحادة ومن سجنه الكبير أطلق لخياله العنان بعد أن صار السجّان سجيناً والسجين حراً طليقاً ..فقال : عشنا أوباةً من دون خبزٍ وماء .. لكنّنا ما حَيينا من دون حريّة.. فسأل رعاك الهدى اجيالَنا والنّدى .. طبنا وطاب الرّدى ، لمّا دعانا الجهاد ، وعاش في القيد نسلُ العبيد .

عبدالله شحادة الحائز على شهادة دكتورا برتبة أُستاذ في تاريخ الآداب العربية من جامعات بريطانيا إضافة لدبلوم دراسات شرقية في تاريخ الأدب العربي الكلاسيكي وفي أركان المجتمع العربي وتاريخ الشرق الأدنى وحضارته وفي فقه اللغة العربية.. كان مديراً لعدد من المدارس من بيروت إلى بشري إلى البترون مرورأً بأميون..

وهو من أبرز مؤسسي الرابطة الأدبية الشمالية ..

نُشرت قصائده في جرائد ومجلات مختلفة وجُمعت آثاره الكاملة في خمسة أجزاء بفضل إبنته الأديبة والشاعرة المبدعة ميراي عبدالله شحادة التي رصّعت بأناملها كل ماسة من قوافيه عل صهوة الحرف وعرش الكلمة.. مشت في بادية أحلامها تبني له منازل من أشواق تُدحرج الصخر عن قبره كي تعيد مجد شاعر للكورة الخضراء..

عبدالله شحادة إبن الحياة الإنسان الإنسان يُشفق على الجلادين العتاة..سائلاً السماء بالروح أن تُلهم الحاكم والمحكوم .. الظالم والمظلوم..العابد والمعبود..غافراً لمن أساء له كما تغفر الزهرة الجريحة للنحلة ما فاض من قلبها الذبيح

لقد تعدت ثقافته وسعة اطلاعه على الأدب والشعر والفلسفة إلى الطب .. عندما دعى للإقلاع عن آفة التدخين التي تُحرق النفس والثروة متحصناً بحجج علمية لا لبس فيها ..

عبدالله شحادة يستخرج الحياة من القحط وبصيص الضوء من الظلام.. فرأى في عالم السجن الاختلاف عن عالم الحرية.. فلا أذان ولا نواقيص ولا صلاة ولا قداديس ولا اقتتال في سبيل محمد والمسيح.. ففي عالم الناس سجون ومساجين..فالسجين إنسان كبلته شرائع البشر الجائرة والسجّان إنسان آخر أقامته أنظمة الناس وقوانينهم حارساً على أخيه السجين فبات كلاهما سجيناً ..

عبدالله شحادة الذي كان صديقاً صدوقاً للعديد من أصحاب القامات السياسية والفكرية والأدبية على امتداد جغرافية الوطن العربي..لم تخمد يوماً نار الثورة والغضب في صدره على ما آلت إليه أُمور البلاد والعباد.. وكأنك يا عبدالله تستشرق ما سيأتينا من غياهب الزمن..فكم نحن بحاجة إليك في هذه الأوقات كي تضرب بحديد على أيدي السياسيين القذرة الذين باعوا أنفسهم وضمائرهم في سوق النخاسة وعادوا أدراجهم يُتاجرون بلبنان وبأبنائه..

أخيراً لك منّا في عليائك أعطر السلام.

***

*القيت في الأمسية الشعرية “شاعر الكورة الخضراء في قواف وألحان” من تنظيم “منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي” في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب في 11/ 3/ 2022.

 

اترك رد