لباسكم قشور لكم كما تغطّي القشور ثـمرة، فأنتم لا ترتدون ثياباً بل ترتدون عريَكم لأنَّكم ولدتم عراة وعراة تموتون. وتحبّون ثيابكم وتتفاخرون بها في الأعياد وتتسابقون على شرائها، ولولا هذا لكان الخيّاطون ماتوا جوعاً، فأنتم تفعلون خيراً لهم عندما تتزيّنون بألبستكم.
ولولا انّكم تخافون من أن تظهر عوراتكم أمام الناس ما كنتم غطّيتم أجسادكم بأردية، بل كنتم تهيمون في الغابات والقفار كسكَّان القبائل البدائيّة، فيظهر كلُّ ما فيكم واضحاً وطاهراً وليس فيه عيب.
إنّ العار ليس في أجسادكم إنّما هو في العيون التي تنظر إليكم وتشتهي. تلك العيون عثرات أمام عريكم، فاقتلعوا عريكم قبل أن تأكلكم عيون الناس. فإنَّهم لا يعشقون أرواحكم ولا يشتهون القيَم التي تؤمنون بها، كلُّ ما يريدونه هو الأجساد العارية التي تشبع نهمهم وتروي غليلهم. الجسد مقتلة للجسد والروح حياة للروح. وجميل أن يحبّ الإنسان امرأة جميلة وأن تحبَّه وأن يشتهيها وتشتهيه، بيد أنَّ الصحيح هو أن يحبَّ روحها أيضاً لأنّ الروح جسد من غير ثياب.
الروح هي اللحن الذي يحوِّل القصيدة الباردة إلى أغنية على الشفاه.
أمَّا الطعام فأنتم تجمعونه من بيادركم وحقولكم وتخبّئونه لأوقات الشتاء، فالخوف من الجوع هو الذي يجعلكم جائعين. فاكتفوا من الطعام بما يشبعكم لا بما يجعلكم متخمين. وإذا أطعمتم من طعامكم إنساناً جائعاً تكونون خيِّرين في عيون الله، أمّا إذا أعطيتم الآخرين قبل أن تأكلوا أنتم، فتكونون أفضل الخيّرين. وإذا كنتم جائعين وطرق على بابكم جائع فأعطيتموه ليأكل ولم تأكلوا أنتم، فإنَّكم إذَّاك أفضل من أفضل الخيِّرين.
إذا صادفتم فقيراً على الطريق، فلا تفرحوا لأنَّ الله جعلكم أغنياء، بل احزنوا للفقير لأنَّه يعيش فقيراً.
لا تخافوا من الجوع وأنتم أصحّاء، بل خافوا منه إذا داهمكم مرض ومنعكم من العمل، إنّ الله أعطاكم أجساداً وأرواحاً لا تجوع، ولكنّكم حوّلتم تلك الأجساد والأرواح إلى مواضع للخوف والرهبة.
أعطوا منازلكم للغرباء وافتحوا مخازنكم للمحتاجين، لكي يخرج الخوف منها ولا يعود. وستجدون أن الله لن يترككم جائعين، فهو يأتي إليكم في الليل، ويترك عند أسرَّتكم كنوزاً، ويضع على موائدكم خبزاً مقدّساً، لكي تأكلوا ولا تجوعوا أبداً.
***
*مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي النهضة الاغترابية الثانية – تعدّد الأنواع.