أنتم تسيرون وأفكاركم تسير أمامكم لتدلَّكم على مواطن الخير. والأفكار هي مرايا تنعكس عليها محبَّة الله، ومن كانت أفكاره متحجِّرة فإنَّ الله لا يعمل فيه، ولا هو يعمل بروح الله.
وبعض الناس أفكارهم من نار، وهؤلاء هم القيِّمون على كنوز الأرض، من أيديهم تدفق الغلال، ومن عقولهم وقلوبهم يقتبس العالم قبساً من النور. هم الذين ينهضون بكم إلى غد النقاء، فإذا قرعوا على أبوابكم لا تقولوا: نحن لا نعرفكم، فإنَّكم تعرفونهم من غير أن تعرفوا، وأمام أعينكم ما صنعوه لكم من الحجر والحديد وألوان الحبر. عيونهم تنظر إلى فوق، إلى الكواكب، وإلى خلق الله الذي لا يُحدُّ بزمن وأمكنة… فادخلوهم إلى بيوتكم وانصتوا إلى أقوالهم، وقدِّموا لهم من أثوابكم لكي يرتدوا، وأشعلوا نار مواقدكم ليأخذوا منها الدفء، وإذا سألوكم عـن فراش، فاعطوهم أسرّتكم وناموا على الحضيض، فقد سهروا طويلاً وأنتم نائمون.
قدّسوا أفكار الشعراء لأنّهم يصبّون لكم خموراً لا تفني، ويعطونكم لهيباً لا ينطفئ وحبّاً لا يزول.
ومجّدوا الموسيقيّين الذين يطيرون بكم على أجنحة علوية.
وارقصوا مع المغنّين وهم يهيمون حناناً مع الكلمة العذبة واللحن الرقيق.
واغبطوا المخترعين لأنّهم رفعوا بينكم وبين العواصف جدراناً، فلا تشعرون بقساوتها.
أمّا الذين يشدّون بأفكاركم إلى الماضي فلا تصغوا إليهم، وغادروا هياكلهم ليأكلها الغبار، فهؤلاء لا يستحقّون أن تعطوهم آذاناً صاغية، ولا يفهمون أنّ الأشرعة لا تبحر إلى الوراء وأنّ الشمس لا تعرُج. وما أقبح أولئك الذين يلعنون النور وهم يحتاجون إليه لكي يخرجوا من أقبية أفكارهم الصدئة! وما أتعس الذين يكرهون السفر إلى شواطئ جديدة وقد فرغت موانئهم من مائها وهجرتها المراكب وانتحرت فيها الأمواج!
إنّ الفكر الذي يبدع هو الفكر الذي يقرّبكم من السماء، أمّا الأفكار الجامدة فمصيرها اللعنة والشتيمة، وأصحابها لن يخرجوا من شرنقة الفشل، لأنّ الفشل مكتوب على جباههم.
***
*مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابية” للأدب الراقي النهضة الاغترابية الثانية – تعدّد الأنواع