بالأمثال أحدّثكم، لأكسر جمود الصمت، وأتابع السير نحو الجبال، لكي أنفرد بذاتي. وبينما أنتم تنامون في بيوتكم، وتلاحقون أحلامكم البعيدة، أصغي إلى صوت الله… وآخذ من يديه قمحاً وثياباً للعيد.
تنكرون عليّ وجودي، فأحزن قليلاً، وأقول لكم: أين هو حصادكم؟ فالنبلاء لا يسألون الآخر: ماذا أعطيت؟ بل يسألون أنفسهم عن العطاء الذي قدّموه. وحقّاً أقول لكم إنّ لا أحد يسرق الكروم ويأتي إلى الجمع وهو يحمل عنبه، لأنّ الحاضرين سيقولون له: من أين لك هذا؟ وأنت لم تزرع ولم تقطف؟
كان رجل يتباهى أمام الناس بما فعله في حياته، وهم يصغون ويتعجّبون. لكنّ رجلاً منهم قاطعه وقال له: إخلع القناع الذي تخفّيت به، لكي أعرفك.
لا تنكروا خطاياكم أمام الناس، بل قولوا: نحن خاطئون، فلو قلتم غير ذلك، فلن يصدّق أحد ما تزعمونه، وإيّاكم أن تتظاهروا بأنّكم ملائكة، لأنّ الناس الملائكة لا وجود لهم إلاّ في مسرحيّات من الخيال… وإذا رأيتم رجلاً يحبّ امرأة، فلا تتّهموه بالفجور، فوالله لو أعطتْكم تلك المرأة جسدها، لأكلتموها أكلاً… ولتنكّرتم للقداسة التي تتفاخرون بها.
الذنوب لا عدد لها، ولا يضعها التاجر على ميزان ليعرف كم هو ثمنها. فالخاطئ قليلاً والخاطئ كثيراً يتشابهان، كما يتشابه الغنيّ الذي يفعل كثيراً من الخير والفقير الذي يفعل قليلاً من الخير، ولا يحقّ لأحدهما أن يتباهى على الآخر ويقول له: أنظر إليّ أيّها البخيل، فقد أعطيتُ أكثر منك!
الكذب خطيئة، لأنّه يؤذي، وينشر الفوضى في المدن. فكيف إذا كان من أجل الغرور والتعجرف؟!
كان في إحدى المدن مفكّر عظيم، ينشر كتبه، ويعمل ليلاً ونهاراً ليقدّم للبشريّة أنوار الفضيلة، وكان رجل آخر لا يفعل شيئاً سوى الطعام والنوم والقعود في الصفّ الأماميّ. وعندما سُئل المفكّر عمّا كان يفعله في السنوات الماضية، فتحَ خزانته، وعرض ما أنجزَه، من غير تبجّح وادّعاء. أمّا الآخر فقد زعم أنّه لم يكن يأكل، ولا يشرب، ولا ينام، فقد كان منهمكاً في الإبداع. وكم كانت خيبته كبيرة، عندما ألحّ عليه السامعون أن يفتح خزانته، ففتحها، وكان فيها كتاب واحد عنوانه “الكذب”.
***
*مشروع الأديب د. جميل الدويهي “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي النهضة الاغترابية الثانية – تعدّد الأنواع